الْخُرُوج مِنْ الْمَنْفَى
الشاعر محمد جاد المولى.. يكتب
أَقِفُ عَلَى أَوَّلِ جسرِكِ
فِي منفايَ الْأَوّلِ يَا بِرْلِين
أُؤْمِنُ أَنَّكِ لَا تُعْطِينِي الْحَظَّ
لِأَوْلَدَ فِي عَيْنَيْكِ
أَوْ أَشْرَبَ مِنْ صُبْحِكِ
مَا يُؤْنِس هَذَا الْقَلْب
كَانَ اللَّيْلُ مَعْي
يَسْتَدْفِئُ بِقَصِيدَةٍ يُوهَان
عَنْ الْغُرْبَةِ وَالْحَرْب
كُنْتُ ارَدِّدُ وَالْمِذْيأَع ..
عَبَثٌ مَا يَحْدُثُ
فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ الْحُب ..
وَبَكَيْتُ كَطِفْلٍ
أَلْقَتْهُ يَدُ الْغَرْبَاءُ
إِلَى الْجِسْرِ غَرِيبًا
صَرَخَتْ نَحْوِي سَيِّدَةٌ
كَانَتْ تَنْتَظِرُ زَبَائِنَ
أَخْلَفَ كُلٌّ مَوْعِدَهَا
نهرتني وَاتَّهَمْتنِي
أَنّ دُمُوعِيَ أَطْفَأَت السِّيجَارَةَ
فِي يَدِهَا
“شِبْريْه” أَخْبِرْنِي
كَيْفَ ارَانِي فِيكَ مَعي
بَيْنَا لَسْت أَرَى لِلشَّمْسِ عَيُونيَ
كَيْفَ تَمُرُّ
كَانَ ضَبَابٌ حَوْلي
وَنَوَافِذُ مَشْرَعَةٌ كَالْجُرْح
وعشاق فِي مَيْدَانِ اللَّيْلِ
تلاشوا فِي ظِلِّي
وَلِذَا حِينَ اخْتَرْت النَّاحِيَةَ الْأُخْرَى
مِنْ هَذَا الْجِسْر
قُلْت أَحَاوِلُ بِعَدَ يَقِينِي هَذَا السِّر
وَكَأَنِّي صَدّقتُكِ
وَكَأَنِّي حِينَ أَجَاوِزُ هَذَا الشَّرْقِ
إِلَى الشَّطِّ الْأَخر
عَاوَدَنِي فِي عَيْنَيْكِ الشّعْر
كَانَتْ مَارَتِيْنا هيْلُ وَهُدْنَا
وَأَنَا وَبِقَايَا ذَاكِرَةٍ
نشدو عَنْ وَطَنٍ لأَ يَعْرِفُنَا
لَكِنْ نَرْسِمُ فِيهِ بَقَايَا الْعُمر
كَانَتْ مَارتِيْنَا الْحَسَنَاءُ تُغَنّي لِطُيُورِ الْبَحْرِ ببرلين
وَكَانَتْ هُدْنَا تُنْشِدُ أَشْعَارَ الثَّوْرَةِ
وَالْحُرِّيَّةِ لِفِلَسْطِينَ
وَكُنْتُ أَنَا أَبْحَثُ عَنْ مَقْهًى
أَنْسَى فِيهِ الْحُب
وَلِمَاذَا ساءلني الشُّرْطِيُّ المتقطِّب
حِينَ تَجَاوَزْتُ السَّيْرَ بِقَدَمَيَّ
كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى بِرْلِين ؟!
قُلْت ببصمة عَيْنِيّ
فَانْتَظَرَ قَلِيلًا رَيْثِ يَرَانِي
مُضْطَرِبَ النَّظْرَةِ
بَينَا كُل تَفَاصِيلِي جَامِدَةٌ
أَوْ غَائِمَةٌ كل احَاسِيسِ الْخَوْفِ لَدَي
سُنَّةٌ كنديف الثَّلْجِ عَلَى الْأَشْجَارِ
تَمُرُّ كَمَا لَمْ يُصْدُقْ سَابِقُهَا
سُنَّةٌ لَا تَعْرِفُنِي الشَّمْسُ
وَلَا يَسْبِقُنِي الظِّلُّ إِلَى مَنْ أَهْوَى
وَيَعَانِقهَا
فِي الْحُجْرَةِ
كُنَّا اثْنَيْنِ غَرِيبَيْنِ
نُفَتِّشُ عَنْ لُغَةٍ تَفْتَحُ بَابًا
لَيُقَاوِمَ كَلٌّ وِحْدَتَه وَيُفَارِقَهَا
لَا أَعْرِفُ عَنْهُ سِوَى إِنْ جَاءَ يُودِعنِي
قَالَتْ عيناه
الْخُرُوج مِنْ الْمَنْفَى
لِمَاذَا الْقَتْنَا الْأَوْطَانُ لَارضٍ
الْإِنْسَانُ بِهَا وَالْالَةُ يَتَسَاوَوْن ؟!
أَهْدَانِي بِعَدَ عِنَاقٍ وَلّاعَتَه الْفِضِّيَّةَ سِيجَارَا أَهْدَاهُ لَهُ رَجُلٌ كُولُومْبِيُّ
أُمْنِيةً إِلَّا أَعْشَقَ بِرْلِين
سنَةٌ عَادَت
وَكَأَنِّي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ
حِينَ تَرَاءَيْتُ لِعِشْرِينَ رَقِيبٍ
فِي رَبْكةِ سَيْرِي
إِنِّي مُخْتَرِقُ الْقَانُون
أَنَا ذَا امْتَثِلُ لِغَايَةِ مَا لَا احْتَمِلُ
مِن الْوِحْدَةِ وَالْأَشْوَاق
مِنْ قَسْوَةِ مَا لَمْ أَجِدُ
عَلَى الشَّرْقِ الْاخْر
مِنْ وَطَنٍ وَرِفَاق
أَمْتَثِلُ لِحَاجَةِ قَلْبِي أَنْ يَبْنِيَ
فِي أَحْضَانِ حَبِيبَتِهِ بِيَتَا
كَيْ أَوْلَدَ فَوَقَ الْجَسْرِ هُنا
وَلِذَا لَسْتُ أُشَارِكُ فِي ارَاءٍ
الْمُنْتَسِبِينَ لألوية وَشعَارَاتٍ
كَيْ أَبْدُو مِثْلَ الْبَعْضِ يَسَارِيًا
أَوْ كَالصَّفْوَةِ فِي أَحْزَابِ الْحُمْرِ
أَوْ الْخُضْرِ
وَلَسْتُ أُشَارِكُ
فِي الْإِضْرَابِ عَنْ الْعَمَلِ
وَلَا امْشِي بِمَظَاهَرَةٍ
ضِدُّ الدَّوْلَةِ وَالدِّيْن
فَلِمَاذَا أُغْلِقَت الْأَبْوَابُ هُنَا حَوْلِيْ ؟
وَلِمَاذَا عَلّقَت السُّلطَاتُ الْوَطَنِيَّةُ اسْمِي
بِقَوَائِم مَنْ سَيُعَادُون ؟!
أُلْقَيتُ عَلَى الْجِسْرِ بِقَايَا أُغْنِيَةٍ
وَبَكَيْت كشهقة أُمي
وَهِيَ توسِّدُني عَيْنَيْهَا
تُوصِينِي الَّأَ اغْتَرِبَ إِلَى الْان
أَلْقَتْ سَيُجَارَتِهَا ضمتني
اهِ كُلُّ امْرَأَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تُمْنَح
لَوْ شَاءَتْ بَعْضَ حَنَان
- صَوْت –
- اعْرِفُ كَمْ أَنْتَ حَزِين
- لَمْ أَبْرَحْ ظلِّيَ او صَاحَبْت
مُظَاهَرَةً
كَيْفَ دَخَلْتُ إِلَى دَائِرَةِ المحظروين - أَسْوَاقُ الْمَالِ كَأَحْوَالِ النَّاسِ لَدَى الشَّرْقِ
وَعُمَلَاءَ الاسْتِيرَادِ بِإِفْرِيقِيا ينسحبون
حَتَّى عَمِلَاءَ الْجِنْسِ بِلَا وَسَطَاءِ
يَخَافُونَ وَلَا يَثِقُون
قَبّلْنِي لِأَغِيبَ عَلَى شَفَتَيْكَ
فَهَذَا اللَّيْلُ يُسَافِرُ فِي جَسَدِي
يَتْرُكُنِي اطِّلَالَ حَنِين
أُهْدِيَتُ لَهَا وَلّاعَتِيَ الْفِضِّيَّةَ
وَمَضَيْنَا لِلنّاحِيَةِ الْأُخْرَى
فَارَقْنَا الجسْرَ انَا
وَامْرَأَةُ اللَّيْلِ وَأُغْنِيَتِي
وَهَزِيمَةُ قَلْبِي فِي الْمَيْدَان
اسْأَلُنِي عَنْ كَيْفَ مَتَى أَنْسَى
مَا جَحَدَتْنِي يَأْ مرْفَأَ حُلْميْ
أَرْضُكَ بِالنِّسْيَان
وَرَأَيْتُ مَنْ النَّافِذَةِ
طُيُورَ الْمُدُنِ الْبَيْضَاءَ تحَاصِرنِي
تَخْطِفُ مِنْ رُوحِي الذِّكْرَى
تَتْرُكْنَيْ أَنْزِف أَنْزِف
حَتَّي أَنْسَى الْوَطَنَ الْمَنْفَى
أَلْقَى فِي مُفْتَرَقِ الْعَالمِ
ظِلَّا يَعْرِفنِي
يَتْبَعنِي وَيَذُود عَنْ اللُّغَةِ الْحَيْرَى
أَسْئِلَتَيْ وَهي تُجَاوِزُ وَجَعَ الرُّوْحِ
لِمَاذَا لأَ يَتْرُكُنَا
حِينَ نُغَادِرُه الْوَطَنُ
لِمَاذَا تَشْرَبُ مِنْ نَهْرٍ دَمِي الرَّيْحُ
وَتَأْكُلُنِي اشباحُ اللَّيْلِ
عَلَى جِسْرِ الْوِحْدَةِ وَالْأَحْزَان ؟
هَذَا مِذْيَاع بِلَادِي
عِنْدَ الْفَاصِلِ يَسْأَلُنِي
وَلِمَاذَا حِينَ نَعُودُ
تُغَادِرُنَا فَوَقَ دُرُوبِ الشَّوْقِ الأوطان - الْخُرُوج مِنْ الْمَنْفَى