كتاب ومقالات

يسألونك «الساعة الحقيقية لضبط الزمن».. تقول ماذا ؟ أجب بهذا

وقت النشر : 2022/12/16 10:01:41 AM

بقلم د . صالح وهبة

يعيش الانسان زمنين، زمن خارجي بنظام حركي له تقويم زمني مختلف، هو زمن الساعة واليوم والشهر والسنة ، فعندما يدور عقرب الثواني في ساعة الحائط أو اليد دورة كاملة نقول مضت دقيقة وعندما تدور الأرض حول نفسها دورة كاملة نقول مضي يوم وعندما تدور حول الشمش دورة كاملة نقول عدت سنة تعادل ٣٦٥ يوم وعندما يدور كوكب المريخ حول الشمس دورة كاملة تستغرق حوالي ٦٦٨يوما، هذا يعني السنة على كوكب المريخ ضعف السنة على الأرض تقريبا فالشخص الذي عمرك ٤٠ عاما على الأرض يكون عمره على المريخ ٢٠ عاما تقريبا. هذا هو الزمن الخارجي المتغير بحسب المكان والحركة والدوران فالمادة ومكوناتها وكل شي في الطبيعة يلهث ويتحرك بسرعات وانظمة كونية دقيقة ، حتى الشخص الجالس على مقعد في بيته يتحرك تبعا لدوران الأرض .هذا هو الزمن الخارجي .

الزمن الداخلي


مشاعرنا واحساسنا بالفرح والحزن والألم واللذة والتأمل والشهوات هي الساعة الحقيقية التي تضبط الزمن فتطيله أو تقصره ، فقد يعيش الإنسان دقيقة من الألم يشعر كأنها ساعة وقد يعيش ساعة من اللذة أو السعادة تمر عليه وكأنها دقيقة .
أما زمن الساعات والمنبهات فهو زمن مزيف مثلها مثل التقويم الفلكي الذي يقسم حياتنا إلى شهور وفصول، والتاريخ الذي يقسمها إلى ماض وحاضر ومستقبل .
بينما الزمن في داخلنا غير قابل للقسمة لأن حياتنا مجموعة لحظات مستمرة بالحضور فنتعرف على الماضي من خلال الحاضر فعندما نعيش باحساس التذكر نسميه ماضي وعندما نعيش باحساس التوقع نسميه مستقبل ولكن في الحقيقة كل هذه الاحساسات حاضر كنهر متدفق متجدد المياه دائما .
فالفواضل بين الماضي والحاضر والمستقبل فواصل وهمية لأن اللحظات الثلاث متداخلة في بعضها البعض والذي يقوم بتعيين اللحظة في الشعور هو الانتباه فيضع خطا تحت احساساتنا ومشاعرنا فيخيل لنا أننا وقفنا لحظة والحقيقة لا وقوف أبدأ.

أما الزمن الخارجي زمن مخادع ومتغير ، زمن كاذب مجرد أرقام على مينا لساعة يد أو حائط مجرد انتقال عقرب بضعة سنتيمترات .


أما الزمن الحقيقي فهو اضطراب دائم لا تتساوي فيه لحظة بأخرى فضلًا أنه غير قابل للتكرار لأنه يحتوي على لحظة على الماضي كله ومعه علاوة من الحاضر .

وللأسف لا نعيش حياتنا كلها في الزمن الحقيقي لأننا لا نعيش في نفوسنا كل الوقت، لكن ..
نعيش في مجتمع نتعامل فيه ونختلط ونتكلم ونأخذ ونعطي ونتقيد بالمواعيد والأمكنة فلا مفر من الخضوع له ، نلهو ونثرثر ونجامل ونهنيء ونتسلى .
حياة تشبه المرحاض النفسي الذي نفرز فيه كسلنا وضيقنا وقلقنا ونقتل فيه وقتنا بانشغالات رخيصة .

إقرأ أيضاً

أمثلة على الزمن الداخلي
(١)الطالب غير الواثق من إجابته “الذي ينتظر يوم إعلان نتيجة الثانوية العامة ” يعدي عليه اليوم كأنه شهر انتظار . ومن شدة قلقه ينظر إلى عقرب الساعة وكأنه ثابت لا يتحرك .

(٢) المريض الذي ينتظر نتيجة تحليل متوقف عليه حياته تمر عليه الدقيقة بمقدار ساعة .
كذلك المريض الذي صابح يعمل عملية خطيرة يطول الليل كأنه شهر .

(٣) الإنسان الغارق في شهواته ولذاته يسرقه الوقت ويشعر باللذة “تمضي الساعة كأنها لحظات مرت سريعا”ولا يشبع أبدًا(لأن من يشرب من هذا الماء دائما ظمأن لا يرتوي أبدًا ).

(٤) الإنسان المؤمن الذي يقضي يومه في الخشوع والتامل والصلاة ويخلع ثوب انشغالات الحياة وهمومها ويخرج من التفكير فيها ويثور ضد جاذبية الجسد وينطلق الى الروحانيات يمضي يومه وهو في قمة السعادة وكأنه عمر بحاله.

(٥) الطالب “أثناء تادية الامتحان ” عندما يسمع المراقب يقول : “باقي من الزمن ربع ساعة”
لا تتخيل مقدار الرجفة التي يحس بها الطالب وهو ينظر إلى شفتي المراقب وهي تنطق وكأنه حكم إعدام ويقلب أوراق الاجابة ويجد نفسه لم ينته من إجابة أسئلة كثيرة ويمر ربع الساعة كأنه دقيقة ، وطالب اخر يمر عليه ربع الساعة كأنه ساعة لأنه إنتهى من إجابته على كل الأسئلة ومنتظر الخروج .

ولأن السرعة دالة في الزمن ..يكون احساسنا بالسرعة مختلف .. فالذي يستقل قطار متحركا بسرعة كبيرة يتهيأ له الأشجار تتحرك في اتجاه معاكس لحركة القطار (سرعة نسبية) .
أو لو سيارتان متحركان في اتجاه واحد وسرعة الأمامية أكبر من الخلفية، يلاحظ السائق أن السيارة الخلفية وكانها تتقهقر إلى الخلف .

في النهاية..
إذن ماهو الزمن الحقيقي ؟
أترك الاجابة للقاريء.
وإلى لقاء آخر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى