لماذا التجسد؟
وقت النشر : 2023/01/06 03:32:36 PMبقلم.. القس بولا فؤاد
لماذا التجسد؟
تحتفل الكنائس الغربية بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، والكنائس الشرقية في يوم 7يناير من كل عام بعيد الميلاد المجيد،
والسؤال الذي يخطر على بالنا لماذا التجسد؟
١-الفداء هو السبب الرئيسي للتجسد:
كانت خطيئة آدم ضد الله نفسه فهو قد عصى الله، وخالف وصيته، ومنها مجموعة أخطاء موجهة ضد الله ذاته
عصيان الله، منافسة الله في معرفته، وعدم تصديق الله في مواعيده، وعدم الإيمان بقدرة الله، وعدم التأدب في الحديث مع الله.
لقد أخطأ الإنسان ضد الله. والله الغير محدود لذلك صارت خطيئته غير محدودة، والخطيئة الغير محدودة عقوبتها غير محدودة، وإن قدمنا عنها كفارة تكون كفارة غير محدودة.
لذلك كان ينبغي أن يقوم الله نفسه (غير المحدود) بعمل الكفارة.
لقد كانت هناك مشكلة وكان الحل هو الكفارة والفداء.
وكان لا يمكن لمخلوق أن يموت عن إنسان لسببين هما
١-أن كل مخلوق محدود، والمحدود لا يمكن أن يُقدم كفارة غير محدودة تُوفي العقوبة الغير محدودة للخطية.
٢-أن الحكم صار ضد الإنسان فيجب أن يموت الإنسان، وكان الحل الوحيد هو التجسد وان ينزل الله إلى عالمنا مولودًا من امرأة. فهو من حيث اللاهوت غير محدود، ويمكن أن يقدم كفارة غير محدودة تكفي لمغفرة جميع خطايانا.
لقد تجلت محبة الله في قبوله أن يتنازل ويتجسد ويموت عنا.
وهذا ما يتغنى به الأب الكاهن في صلوات القداس الإلهي “أيها الابن الوحيد الإله الكلمة الذي أحبنا، وحبه أراد ان يخلصنا من الموت الأبدي ولما كان الموت في طريقنا اشتهى أن يجوز فيه حبا فينا” (قسمة الابن السنوي)
كل خطية ترتكبها هي موجهة ضد الله ذاته، ولا تختلف في دينونتها عن خطيئة آدم وحواء. هي مثل خطيتهما غير محدودة لأنها موجهة ضد الله نفسه غير المحدود.
وهكذا فإن عقوبتها غير محدودة ولا تغُفر إلا بكفارة غير محدودة. كل خطية ترتكبها هي عصيان، وهي نوع من تحدي الله وعدم المبالاة بوصاياه، بل هي ثورة عليه وانضمام لخصمه الشيطان.
وهكذا كل خطية ترتكبها معناها عدم محبة الله.
٢-تجسد ليرفعنا:
لقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية واعضاء في جسده وكما نقول في التسبحة (هو أخذ الذي لنا واعطانا الذي له).
وهكذا صار لنا شركة معه وصرنا شركاء الروح القدس وشركاء في الميراث (اف٦:٣)
٣- تجسد ليصحح الفكرة الخاطئة عن الله:
تجسد الله لنقترب منه ونتعرف عليه
لقد شوه البعض صورة الله فظن البعض أن الله جبار ومنتقم.
ولما تجسد عرف الناس أن الله مُحب وديع متواضع طويل الأناة.
الله الذي يسامح المرأة التي أمسكت في ذات الفعل،
الراعي الصالح الذي يسعى في طلب الضال،
بالتجسد عرفنا مجد لاهوته على جبل التجلي،
وبالتجسد عرفنا قوة لاهوته حينما اقام لعازر،
واسكت البحر (مر ٣٩:٤)
لقد اراد الله يجذبنا بالحب لا بالخوف.
الله أراد ان يدخل قلوبنا عن طريق محبته لا عن طريق مخافته.
وهكذا نرى أنه عندما رفضت احدى قرى السامرة أن تقبله رفض أن يسمع لتلميذيه الذين طلبا أن تنزل نار من السماء وتُفني تلك القرية ووبخهما قائلاً “«لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!” (لو 9: 55)
إنه لم يشأ أن يُرهب أهل السامرة بقوته. بل أن يسكب عليها محبته وصبره، الى أن جاء الوقت المناسب الذي قبل فيه أهل السامرة الإيمان بالمحبة والترحاب لا بالنار النازلة من السماء.
الله لا يريد أن يكون مُخيفًا بل محبوبًا. الناس بطبيعتهم ينفرون ممن يخافونه.
وقد يخضعون له في ذل ولكنهم ينفرون منه في قلوبهم.
٤- تجسد لكن نستطيع ان نتمتع به ونوجد معه:
لو أنه ظهر في جلال لاهوته ما كان انسان يستطيع أن يقترب إليه، وما كان تلميذه يوحنا يجرؤ أن يتكئ على صدره، وما كانت المرأة الخاطئة تستطيع أن تتقدم نحوه وتمسح قدميه بشعرها، بل ما كانت العذراء تستطيع ان تحمله على كتفها او ترضعه من ثدييها.
لو كان قد نزل بقوة لاهوته لكان الناس يرتعبون منه ويخافونه مثلما كان حدث في ظهوره على الجبل في العهد القديم (حز ٨:١٩).
وهكذا رأى الرب أن يُخلي ذاته حتى يمكن للناس أن يختلطوا به دون أن تُرعبهم هيبته أو يصدهم جلاله.
انه عندما ظهر لشاول الطرسوسي بُهرت عيناه من قوة النور، وظل فترة لا يبصر والقشور تغطي عينيه
فمن كان يحتمل ان يرى الرب في مجده ويعيش!
وعندما أظهر الرب شيئا من لاهوته على جبل التجلي كان التلاميذ مرتعبين ولم يكن بطرس “يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ.” (مر 9: 6)
ولما سمعوا الصوت من السحاب “سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا.” (مت 17: 6)
كان الرب يستطيع ان يكون في مجد التجلي بين الناس ولكنه لم يفعل ذلك كان يريد ان يتمتعوا به ويختلطوا به لا أن يرهبهم
قديماً قال افلاطون الفيلسوف عن الله: لكي يلتقي بنا إما أن نصعد إليه وإما أن ينزل الينا.
ولما كنا لا نستطيع أن نصعد لله فقد تنازل هو إلينا.
٥- تجسد ليصحح المفاهيم الخاطئة للشريعة:
الكتبة والفريسيين وزعماء اليهود وكهنتهم ورؤسائهم كانوا قد شوهوا كل شيء، وأقروا الذي حسب مزاجهم الخاص
وأبطلوا وصية الله بسبب تقاليدهم وتعاليمهم
ووضعوا على أكتاف الناس أحمال ثقيلة عسرة الحمل
واغلقوا ملكوت السماوات قدام الناس، فلا هم دخلوا ولا جعلوا الداخلين يدخلون (مت ١٣:٢٣)
كانت حياتهم تنم عن مظهرية وشكليات جوفاء “لِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ.” (مر 12: 40)
حتى أن الله رفض ذبائحهم “«إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً.” (هو 6: 6)
وجاء السيد المسيح وصحح هذه المفاهيم وأعطانا مفهوماً جديداً عن المبادئ
فمثلا العظمة عرفنا أن العظمة الحقيقية في الاتضاع “«إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ».” (مر 9: 35)
نهنئ الجميع بعيد الميلاد المجيد ونرفع قلوبنا لله ان يرفع عنا الغلاء والبلاء والحروب وينعم على البشرية بالسلام.
بقلم ” القس بولا فؤاد رياض “
” كاهن كنيسة مار جرجس المطرية القاهرة “