الصيام والقرآن
بقلم.. السيد الباز السيد
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الحبيب الشفيع الرؤوف الرحيم الذي أخبر عن ربه الكريم أن لله تعالى في كل نفس مائة ألف فرج قريب وسلم تسليما كثيراً “
وبعد:
ففي هذه الايام يعيش المسلمون نفحات رمضانية مباركة، وكلُّهم شَوق ورجاء أن يوفِّقهم الله سبحانه وتعالى إلى حُسن اغتنام أيامه ولياليه، وإلى صيامه وقيامِه إيمانًا واحتسابًا…
ومَن تدبر آيات الكتاب ونصوص السُّنة أيقن أنَّ الله عز وجل قد رفَع شهرَ رمضان مكانًا علِيًّا، وأنزله منزلة رفيعة، وفضَّله على كثير من الشهور.
والمتأمُّل حديث القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر الكريم يتيقن منزلته ومكانته
فإذا نظرنا في حديث القرآن الكريم عن الشَّهر المبارك، رأينا أنَّه قد وقَع في أكثر موطن، فتارة يتحدَّث عنه كاملًا، وأخرى يتحدَّث عن خير لياليه (ليلة القدر)، بلَّغنا الله إيَّاها، ورزقنا خيرَها.
• فمن حديث القرآن عن الشَّهر الكريم قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
• ومن حديثه عن خير لياليه قوله جلَّ ذِكرُه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3]، وقوله: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾[القدر: 1].
فكأنَّ هذا الشهر الكريم لم يَرتق إلى تلك المكانة ولم يرتفِع إلى هذه المنزلة، إلَّا حين ارتبط ذِكره بالقرآن العظيم، وصار محلًّا زمنيًّا لنزوله، بل إنَّ ليلة القَدر ذاتها لم تَبلغ ما بلغَت من المكانة والرِّفعة، وبلغت أن تكون خيرًا من ألف شَهر، إلا بعد أن شرَّفها الله تعالى واختارها موعدًا لنزول الكتاب العزيز.
وهذه البركة القرآنيَّة ليست مقصورة على رمضان ولا على ليلة القدر، بل هي تمتدُّ لتنال كلَّ من تشرَّف بحمل الكتاب العزيز والاتصال به؛ ولا أدلَّ على ذلك من قول الله تعالى لصفيِّه من خلقه وسيِّد أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى: 52]، فبدون القرآن: ماذا يكون رمضان، وماذا تكون لَيلة القَدر.
فالقرآن روح للروح، ونور للبصائر والأبصار، وهو كتابٌ مبارَك؛ مَن تمسَّك به، ناله من نوره وبركاته على قَدر صِدقه في تمسُّكه واتصاله به.
فعَنِ الحارِثِ الأعْوَرِ قالَ: «دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإذا النّاسُ قَدْ وقَعُوا في الأحادِيثِ فَأتَيْتُ عَلِيًّا فَأخْبَرْتُهُ فَقالَ: أوَقَدْ فَعَلُوها سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إنَّها سَتَكُونُ فِتْنَةً قُلْتُ: فَما المَخْرَجُ مِنها يا رَسُولَ اللهِ قالَ: كِتابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَّأ مَن قَبْلَكم وخَبَّرَ مَن بَعْدَكم وحَكَمَ ما بَيْنَكم هو الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ مَن تَرَكَهُ مِن جَبّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ومَنِ ابْتَغى الهُدى في غَيْرِهِ أضَلَّهُ اللَّهُ وهو حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ وهو الذِّكْرُ الحَكِيمُ وهو الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ هو الَّذِي لا تَزِيغُ بِهِ الأهْواءُ ولا تَشْبَعُ مِنهُ العُلَماءُ ولا تَلْتَبِسُ مِنهُ الألْسُنُ ولا يَخْلُقُ عِنَ الرَّدِّ ولا تَنْقَضِي عَجائِبُهُ هو الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إذْ سَمِعْتَهُ أنْ قالُوا: ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: ١] ﴿يَهْدِي إلى الرُّشْدِ﴾ [الجن: ٢] مَن قالَ بِهِ صَدَقَ ومَن حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ومَن عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ومَن دَعا إلَيْهِ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»
والدلائل ذلك والبراهين كثيرة جدأ.
ومن هنا نتأكد أنَّ هذا الشرف وهذه المكانة التي حظي بها شَهر رمضان، إنَّما كانت ببركة كتاب الله تعالى، وأنَّها ليست مقصورةعلى الشَّهر الكريم، بل تمتدُّ إلى كل من اتَّصل بكتاب الله جلَّ ذكره
فاللهم تقبل منا صيامه وقيامه وارزقنا بركة القرآن الكريم آمين يارب العالمين