الذكرى 26 لوفاة نزار قباني و الأخوة التي جمعته بالدكتور محي الدين عميمور
وقت النشر : 2024/05/01 06:22:50 PMالذكرى 26 لوفاة نزار قباني و الأخوة التي جمعته بالدكتور محي الدين عميمور
عائشة عمي.. تكتب
الحديث عن نزار قباني هو كالحديث عن الحب في زمن الحرب والحديث عن الجمال هو الحديث عن جمال البواطن قبل ماهو ظاهر ، ويتجلى جمال الدواخل بالنسبة لحامل القلم سواء كان شاعراً أو كاتبا أو أديباً في لغته وأسلوبه والتحرر من قيود النمطية الباهتة، وماهو سائد ، تلك الأقلام التي تنقذ العقول من ماهو مستهلك وترسيخ ثقافة واحدة أو عنوان كتاب واحد ومحتواه فيه الكثير من الرتابة التي تجلب لك الملل وتغرس داخلك نفورا وعزوفا لاشتراه كتب الشعر وغيرها ، لأن المحتوى بلا نفس وروح ، بلا جديد يزيد من فكر الإنسان ورفع درجة الوعي الوطني والإنساني بالدرجة الأولى.
ولد نزار وولدت معه التساؤلات عديدة ، بدأ كتابة الشعر 1939 وأول ديوان له “قالت لي السمراء” ، يعد من أحد الأعلام الثقافية العربية الذي سعى من خلال قصائده الجريئة إلى الدعوة للتغيير الاجتماعي والسياسي ، وقد انتقد بذلك بنية العقل العربي و عن الأنظمة المستبدة الفاسدة بنظره ، و عن متاجرتها بقضايا الحق بالقضية الفلسطينية .
كان أول شاعر تناقش له قصيدة بالبرلمان السوري المعنونة”خبز وحشيش وقمر ” ، وقد كتبت عن هذا الأمر عدة جرائد عربية وتفننت في عنونة مقالاتها لجذب أكثر عدد من القراء مثيرة الدهشة والغرابة ، من بينها هذه العناوين : ” بسبب الحشيش فتوى بقطع رأس نزار قباني وإهدار دمه” . مقال منشور بصحيفة ورقية الرياض في سنة من السنوات .
بعد تخرجه من الجامعة عمل أو اشتغل بعدد من مناصب دبلوماسية بمصر ، بيروت ، تركيا ، لندن ، الصين ، إسبانيا . ولكنه استقال سنة 1966 م للتفرغ لكتابة الشعر . مبررا على قرار استقالته ” لأتفرغ نهائيًا للشعرِ ، لأنني كنتُ أشعرُ بازدواجيّة مُرعبة في داخلي تمنعني من ممارسة حريتي بشكلٍ مُطلق ،لذلك تَفَرَّغتُ للشعرِ وحده.” وكان للقارئ العربي أو المهتم بالشأن الثقافي العربي آراء مختلفة هناك من رأى أن الشعر موهبة وتأتي في المرتبة الثانية بعد العمل ، وهناك من أيد هذا القرار بأن الشعر حياة أخرى تحتاج إلى الكثير من الوقت والخلوة النفسية للكتابة وطرح اشتغالات مهمة .
الراحل نزار كتب عن الحب والمودة للمرأة وتقديسها في أشعاره المزهرة بالجمال و الإنسانية ، ودعا إلى تقديس هذا الكيان الرقيق وهناك من ربط انتحار أخته بأشعاره ووفاة زوجته ، لم تخلو أشعار نزار من الوطنية فكتب عن الوطن العربي و إظهار أسفه الشديد لما آلت إليه الأوضاع العربية وعن الأحوال التي آلت إليها المروءة والشهامة التي كانت تظرب بها الأمثال وتستخلص منها الحكمة والعبرة .
كان قلم نزار قلما حائرا ومحب في نفس الوقت بأشعاره الجديدة الغير مألوفة ، وما كتبه جعل الناس تلتفت إليه وتوجه أنظارها نحوه من كل جانب ، وانبثق اسمه كنور دافء أو كأشعة شمس لطيفة وهادئة في شروقها وسناءها ، فأشغل بذلك كل القلوب ووحدها في شعره ، حير الكثير من العقول واختلفت في رأيها حوله .
و حازت كتاباته على ضجة إعلامية كبيرة وربما هذا الأمر الذي جعل وفاته قضية رأي عام، نظراً لعدم تحفظه في المجاهرة عن المشاكل المجتمعية العربية و كذلك لجودة ملكته الشعرية وإحساسه العالي وصدقه في قصائده التي تتشبع بالابداع اللفظي المختلف عن أقلام شعراء غيره التي من الممكن أن تكون فيه بعض التبعية والخوف والتردد ، فكان شعره الدواء أو مهدئات تخفف آلام حادة كانت منتشرة في وسط الفكري والثقافي و في نفس الوقت الإشارة إلى مواطن الداء لإيجاد حلول مسبقة قبل التأزم الفعلي لواقعنا العربي من التشتت، الانهيار ، حافة الهاوية ، الحروب الكلامية ثم الانتقال إلى الحروب الدموية وهذا الذي نراه بالمشهد العربي الحالي.
وعن سيرة نزار قباني فإنني استحضر في هذه الورقة الكلامية عن علاقة الأخوة التي جمعته مع الدكتور الجزائري محي الدين عميمور مستشار الزعيم الجزائري هواري بومدين الذي كتب عنه مقالا المعنون بـ:” نزار قباني وأنا ” المجمعة في كتابه لله وللوطن و المدعمة برسائل نزار قباني إلى حضرة الوزير السابق د. محي الدين عميمور حيث استحضر في هذا المقال زيارة الشاعر السوري نزار قباني. للجزائر وعن الاحتفاء الكبير الذي لقيه في بلده الثاني الجزائر ، وحديثه عن معرفته به منذ 1973 أثناء رحلته السياحية لكل من لبنان وسوريا ومصر ، عشية حرب أكتوبر التي اندلعت بالقاهرة ، وكانت زيارته له ببيروت رفقة مراسل وكالة الأنباء الجزائرية عبد القادر بن صالح كما ورد في مقاله .
وأشار في مقاله عن حب نزار قباني للجزائر وعن الانطباع الإيجابي الذي أخذه معه في حقائب الذكريات الجميلة وقد تجلى هذا الانطباع في رسائل نزار الوفية لصنيع د.محي الدين عميمور معه في الجزائر وعن المعاملة الطيبة التي حضي بها ، يقول في رسالة مرسلة إلى المستشار وهو الكاتب والطبيب قبل أن يكون شخصية سياسية مهمة ، ودائما الكاتب الصادق يشعر بجمال من حوله ، ومابالك إن كان هذا الشخص كاتب هو أيضاً ، مابين قوسين د. محي الدين عميمور حفظ قصائد نزار قباني عن ظهر قلب .
بعض أسطر من رسالة نزار إلى الدكتور محي الدين عميمور أثر عودته من الجزائر يوم 19من شهر أبريل من سنة 1979م. ص 193 من الكتاب :
” رحلتي إلى الجزائر كانت أهم رحلاتي ، فقد عدت وأنا وأنا أشد إيمانا بشعري وأشد إيماناً بالجزائر ، فعندكم اكتشفت أبعاد صوتي الحقيقية واكتشفت أبعاد هذه الأرض التي لابد من التغلغل تحت أعصابها للوصول إلى ينابيع العشق المطمورة في داخلها”.
ويردف في رسالة أخرى المرسلة بتاريخ 12 يناير 1981 ص194 من كتاب لله وللوطن للدكتور محي الدين عميمور .
” الجزائر قد أدخلتني في عصر شعري الجديد ألغت جهازي العصبي القديم وجعلت قلبي على شكل زهرة أو على شكل ثورة أو على شكل نافورة أندلسية”.
هذا الشاعر السوري الذي أجاد لغة الروح قبل لغة البوح يرحل يوم 30 أبريل 1998إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز 75 عاما . تاركاً وراءه حوالي 41 ديوانا شعرياً جمعت في 8 مجلدات تحت عنوان الأعمال الكاملة الشعرية والنثرية ، ويعتبر نزار قباني من أكثر الشعراء في تاريخ الوطن العربي الذي لحنت أشعاره وتغنى بها مطربون كبار أمثال العندليب عبد الحليم حافظ ، محمد عبد الوهاب ، نجاة الصغيرة، كاظم الساهر وغيرهم .