أسامة الجوهري يكتب.. في قلب الظلمة
في قلب الًظلمة
في غمضة عين أصبحت غرفة المكتب والصالة في ظلام دامس، وكأنما انسكبت دلاء من الحبر الشيني الأسود الفاحم لتغطي الغرفة التي اتشحت بالسواد.
لم يكن إنقطاع التيار الكهربائي وحده سبب في شعوري بالضجر، بل ساهم انقطاع النت أيضًا في ازدياد هذا الشعور. وبعد أن كانت الشقة تتسربل بالضياء والنور إذا بها كظلمة القبر, وبعد أن كنت استمتع بفيلم السهرة الأجنبي تأتي تفصيلة لا يخلو منها بيت مصري بين عشاق الافلام الاجنبية وعشاق المسلسلات العربية لكني والحق يقال لم أكن في هذا الصراع لحظة انقطاع التيار.
الغلبة في هذا الصراع دائما ما يكون لزوجتي كما أسميها.
لاسحب قواتي في إستسلام مخزي لأسير كفلول جيش مهزوم وانسحب إلى غرفة المكتب حيث مكتبتي العامرة بالكتب التي أجد فيها السلوى عن الفيلم الأجنبي او برنامج حواري أرغب في سماعه. كانت زوجتي الغالية عند اختها .
لن ينازعني أحد في رؤية فيلم السهرة الأمريكي على MBC2. تذكرت امرًا مشابهًا حدث لي وقد كان قبل ان اتزوج وانا لا ازال أعيش مع أبي وأمي كان أبي قد توفاه الله وكانت أمي وطارق في الأسكندرية ايضًا كنا في الجامعة وهشام في كوبري القبة في الفنية العسكرية وقد عاد امس الجمعة إلى الكلية كالمعتاد مع الطلبة فقد كان لا يزالCadet وهي تعني طلبة الكليات العسكرية.
كنت أعرف أن نادي السينما سيعرض فيلم “الطيور” من اخراج الفريد هيتشكوك.وقد أعددت العدة للاستمتاع بواحد من روائع هتشكوك وقبل أن يبدأ عرض الفيلم كنت قد ملأت تُرمُس الشاي وافرغت كيس اللب في طبق وبجواره طبق ثاني به الفول السوداني وما إن بدأت السيدة الفاضلة “درية شرف الدين” مقدمة برنامج نادي السينما في الحديث وتحية المشاهدين الذين أنا واحد منهم حتى انقطع التيار الكهربي. لم يعد التيار الا ودرية شرف الدين تتمنى لنا نوما هادئا سعيدا هي والضيف الذي ناقش الفيلم وأظنه كان الأستاذ سعيد الشيمي شيخ المصورين السينمائيين.
وذلك قبل أن اتعامل معه بشكل شخصي فقد ترجمت معه كتاب لم يكتب له أن يرى النور رغم أنه كتاب مهم ويُدرس في معهد السينما بكالفورنيا لا يزال لدي صورة منه في ثلاثة أجزاء وهو كتاب” light Masters سادة الضوء “.
نعود ثانية إلى السيدة الفاضلة زوجتي ، الحقيقة أن حجتها أقوى من حجتي، فهي تبذل مجهود يستهلك منها الوقت والإرهاق في أعمال البيت المستدامة من تنظيف وطبخ وغسيل . لم تكن أبدا مستبدة فهي تترك لي التلفزيون لاشاهد الماتشات .
لم اكن من محبي كرة القدم ولم اكن ممن يلعبون الماتشات في الشارع او في الدورات الرمضانية من قبل.
في العام 1986 من القرن الماضي كنت وقتها أعمل مترجم مرافق للوفود الإعلامية بمعهد الأفارقة في الطابق التاسع من مبنى التلفزيون وقد حجز الاداري بالمعهد تذاكر لهم في نهائي كاس افريقيا الذين كان في استاد القاهرة والمباراة النهائية بين مصر والكاميرون.
تصادف وقتها كانت هناك دورة اخرى هي دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب.
بدا الاستغراب على الاداري الذي كان مرافقا لي والسائقين وانا اعتذر عن مشاهدة المباراة لاشهد فعاليات أخرى فهي معرض الكتاب الذي كان وقتها بجوار الاستاد.
ولكن حدث تحول خطير في شخصيتي كان تحولا تدريجيا فقد اعتدت على الجلوس في “مقهى لطفي” في السكاكيني فقد كان كثير من رواد المقهى من المثقفين والشخصيات المحترمة ،شئ وحيد كان يمنعني من الاندماج معهم، الاندماج الكامل فأنا لا العب معهم ماتشات الكرة التي يتفقون على لعبها كما انني من البيض ولست من الحمر.كانوا جميعهم او جلهم من أصحاب الرايات الحمر .كانت نسبة مشجعي الزمالك في قهوة لطفي لا يمثلون التيار الرئيسي بل انهم تيار فرعي. الحق يقال لم تكن تحدث بيننا اية مشاجرات بسبب الانتماء الكروي؟نعود ثانية إلى هذا التحول الذي حدث لي بعد جلوسي في “مقهى لطفي” او “لطفي نايت كلوب ” كما كنت أسميه ومع سماع الاستوديو التحليلي للماتشات في استديو قهوة لطفي تعلمت الكثير في الكورة وقوانين اللعبة ومتى اقول لك انها ضربة جزاء صحيحة أن انها غير ذلك وان كان الحكم” حر” أم” موالس” لأحد الفريقين وما إذا كان يخاف من مجلس إدارة الاهلي أم الزمالك. كل ما اعرفه انني أصبحت وأنا على أعتاب العقد الثامن وان كنت اتشبث باهداب العقد السابع.
اجلت البحث عن تليفوني المحمول
لأبدأ رحلة في “قلب الظلمة”
- عفوا إن كنت اقتبست من جوزيف كونراد اسم روايته الشهيرة the heart of darkness – فبينما كانت رحلته في قلب الكونغو فرحلتي من غرفة الجلوس تحديدا من كرسي الفوتيه الذي بجوار شباك البلكونة مرورا بالصالة عبر ممر يؤدي إلى غرفة النوم الأولى المجاورة للصالة والثانية التي في نهاية هذا الممر حيث غرفة النوم الثانية مرورا بالمطبخ والحمام .
لا تظن أن هذه الرحلة ليست محفوفة بالمخاطر فقد تعثرت منذ بداية الرحلة في الطاولة الصغيرة التي نستخدمها بديلا عن السفرة الموجودة قبالة التلفزيون ارتطمت بالنيش وانا في بداية دخولي إلى الممرالمؤدي للحمام.كنت اشبه بالاعمى في ليلته الأولى بمسكن جديد.
في قلب الظلمة
أتحسس طريقي لأرتطم بالغسالة التي وضعتها زوجتي خارج الحمام حتى لا تتعرض للماء فيصدأ جسم الغسالة، وهنا كانت “البيج بانج big bang” الارتطام الكبير فقد دخلت برأسي في زجاج باب الحمام فقد ظننت أنه مفتوح.دائما ما اترك باب الحمام مفتوح ، ودائما ما تقول لي زوجتي اغلق باب الحمام ليلا. هذه المرة اكتشفت اني لم اترك باب الحمام مفتوحًا رغم اني دائما ما اتركه مفتوحًا لرحلاتي المكوكية من السري إلى الحمام .اديت مهمتي على أكمل وجه وخرجت لأعرج على غرفة نومي بعد ان نزعت فيشة الثلاجة والديب فريزر، واغلقت مفاتيح النور.
قديما قالوا في كليلة ودمنة “من علمك الحكمة يا ثعلب، رأس الذئب الطائر.في مرة سابقة انقطع التيار وفجأة جاء التيار اشد من المعتاد كانت خسائري في ذلك اليوم بفضل توجيهات القيادة المركزية برئاسة السيدة الفاضلة حرمنا المصون بفصل التيار عن الثلاحة والتلفزيزن والديب فريزر ولا تنسى فيشة الراوتر، كانت الخسائر عندي احتراق لمبات نجفة الصالة التي كانت مضيئة عند انقطاع التياروعند عودته.أما السوبر ماركت الذي في الجهة المقابلة فقد تأثرت الثلاجات بزيادة التيار.
لم أبحث كثيرًا عما أرتديه فقدإرتديت ملابسي التي كنت أرتديها ظهرا عندما نزلت لشراء الخبز وبعض الأشياء الأخرى من السوبر ماركت الذي تحت المنزل .
وهي ملابسي إذا كنت في الجوار . عندما دخلت إلى غرفة النوم تذكرت أني كنت قد وضعت المحمول في غرفة النوم لاشحنه وقد توجهت مباشرة نحوه. سعدت ايما سعادة عندما وجدته مشحونا تمام الشحن. انرت كشاف المحمول أعاد النور إلى المكان .
قررت ان اذهب إلى الجانب الاخر من البلدة وان استمتع بكوب قهوة مع متعة قراءة رواية ظريفة اعجبتني فأتممت المائة صفحة الأولى منها . كان انقطاع الكهرباء بالتناوب. لابد وان الجانب الآخر من البلدة ينعم بالضياء.
ارتديت حذاءًا خفيفًا، وضعت الكتاب والمحمول على الطاولة ومعهما سلسلة المفاتيح
امسكت في عجالة الكتاب والمحمول فقد سمعت أصوات على السلم .
وهم من الجيران ويبدو أنهم غارقون في الظلام انرت لهم الدرج حتي وصلن إلى امام الباب وتابعت انارة السلم لهم حتى الدور التالي.اغلقت الباب وعلى غير العادة أُغلق من المرة الأولى عجبت لهذا الباب فقد كنت أشده أكثر من مرة ليغلق . سرعان ما سأعود ويكون النور قد عاد . فلن أغيب.بالساعة الان الثامنة ولولا شدة ضجري من الظلام وقد نسيت ان المحمول في الشاحن .
احيانا استخدم اللابتوب في الاضاءة ولكني في الليلة الفائتة استخدمته على السرير بعيدا عن الكهرباء فاستهلكت شحنة البطارية الامر الذي زاد من ضجري فبطارية المحمول فارغة ، في الأحوال العادية اشتغل على اللاب في مراجعة وتنسيق كتبي .
هاهو المقهى يعج بالزبائن يسبح في أضواء النيون . يسرع “عرفة” النادل بالاتجاه نحوي فأشير له اشارة يعرفها تدل على كوب القهوة الذي اتناوله يبلغ الواقف على “النصبة” واحد قهوة مضبوط للأستاذ، الذي أومأ بهزة من رأسه تدل على أنه سيشرع في وضع القهوة خاصتي على النار رأيته وهو يضع الماء البارد في الكنكة،فهو يعرف أني لا احب القهوة بالماء المغلي كما يفعل مع الزبون الطياري. ارفع له ابهامي كنوع من التشجيع على ان المعلومة وصلت.
أحتسي قهوتي على مهل نسبة الفول السوداني المحروق لا تتعدى الحد المسموح به عالميا في غش البن على اعتبار أنه بن 100%.
لا بأس مادام الزبون لا يشعر بأي تغيير في الطعم. كما يضع محل العصير لوح الثلج او الماء على عصير القصب ليس حفاظا على صحتك ولكن لأنه يخسر إذا أعطاك عصير قصب صافي بل يذهب البعض لإضافة قليل من السكر .
صوت صفير القطار القادم من شبين والمتجه إلى المرج يصم الأذان ولا سيما أن المغهى قريبة من سيمافور السكة الحديد؟والسيمافور لمن لا يعلمه هو المؤشر الذي يسمح للقطار بدخول المحطة,كان القطار الاخير وهو في حدود التاسعة والثلث ليلًا.
وهو وقت متأخر نسبيا في اواخر ديسمبر فقد بدأء فصل الشتاء فعليا.
لا بأس ,أذكر مجموعة من الأصدقاء الشباب كان واحد منهم من أقاربي افتتحوا مطعم للشاورمة وكان في نيتهم ان تكون اللحوم بلدية فعلا بدون لحوم مجمدة وجدوا أنهم يخسرون لابد من وضع كميات من البهارات والفلفل الحار ومكسبات الطعم بحيث يكون اللحم لا يزيد عن نسبة ضئيلة من مكون الساندويتش . كل هذا دار بخلدي وانا احتسي قهوتي.عدت إلى الرواية التي أقرأها عمل جميل استمتع به بدون أن يغشك المؤلف كما يفعل بتاع العصير او بتاع السندويتشات.
المؤلف يعطيك من نفسه ومن وقته حتى تستمتع أنت بوقتك وتغذي عقلك لا كرشك، لن تموت إذا أفرطت في القراءة كما يحدث لو افرطت في الطعام او الشراب.نسيت أن أقول لك أن الشباب الذين افتتحوا المطعم إضطروا لإغلاقه لأن اللحم الحقيقي مكلف واللحوم المصنعة التي تحتوي على فول الصويا أقل تكلفة وأكثر ربحا؟؟؟
وضعت مؤشر الصفحة في مكانه حيث أوشكت على الإنتهاء من الفصل الثامن.
أضع يدي في جيب السترة افتش عن المفتاح حتى اخرجه من جيبي لاضع المحمول حتى لا يخدش الشاشة لا أجد المفتاح,عبثا افتش في جيوب البنطلون والسترة ، ومضت في رأسي فكرة صحيحة وهي انني لم التقط سلسلة المفاتيح عندما اخذت المحمول والكتاب لقد كانت المفاتيح معهما على ترابيزة السفرة ,دارت رأسي كما تدور برأس شاربها العقار يعني الخمرة كما يقول عنترة بن شداد.
اوففف!!! قلتها ضجرا وانا اتخيل ما سيحدث ,فأنا لا أحب سُرى الليل,حرمنا المصون ليست في البيت فقد ذهبت لزيارة اختها في شبرا اعتقد انه لا يهمك ان تعرف سبب هذه الزيارة لكني بت أعرف السبب سببا وحيدا بالنسبة لي هو تعذيبي في المشوار الذي لم يكن على البال او الخاطر علي أن اركب المواصلات إلى شبرا والبديل هو البيات في الشارع او اكمال السهرة مع عرفة في القهوة حتى ينبلج الصباح .
والليلة كما قلت ليلة شتوية الله رحيم فقد ارتديت سترة ثقيلة وقد كان معي في جيبي نقود تكفي الذهاب والعودة لكن المحفظة مع البطاقة كانتا في مكان أخر في سروال معلق على شماعة.
يعني من الاخر كدة بذقني التي لم احلقها من فترة فلا أنا ملتحي ولا أنا حليق الذقن وملابسي المتواضعة تجعل اي كمين يطرقع لي.
عموما لا ابدوا صغير السن فلا يخطئ من يراني في حساب عمري وهذه واحدة. الامر الثاني أنهم اي رجال الشرطة لهم نظرة اعرف من صديق انهم ينظرون إلى اي ندبات في الوجه او اليدين وانا والحمد لله لم اتعارك مع احد وليس قمت ندب في وجهي كما أن يدي ليست بها اي علامات على الشقاوة فأنا مؤلف ومترجم.
اطمأن قلبي بعد أن تذكرت أن على المحمول صورة البطاقة والرقم القومي وذهبت مخاوفي أدراج الرياح. هكذا مخاوفنا دائما نخاف مما سيحدث وان كانت أمكانيات حدوثه صفرية.
نخشى من الغد وهو في علم الغيب الامس الذي مضى على قربه لا يقدر أهل الأرض على رده.هكذا يقول ابو العتاهية .
خرجت من المترو في محطة الشهداء .انتظرت قليلا لأركب اتوبيس متجه إلى شبرا لم اطق صبرا فالوقت يداهمني حيث أريد العودة إلى المنزل بأسرع ما يمكن قدر المستطاع، تحركت نحو الشارع الذي تدخل منه الباصات إلى شارع شبرا.
وصل الاتوبيس ركبت بعد ان سألت السائق عن خط سيره هل سيصل إلى شارع الترعة. اكتشفت في النهاية انه سيصل فعلا إلى شارع الترعة لكنه لن يستمر في الشارع فهو سيلف من أول شارع الترعة .
انت بس هتمشي خطوتين يعني محطة اوتوبيس قالها وهو يبتسم وأنا أتميز من الغيظ وقد كان غيظي في محله فقد كان المكان الذي أريده على مسافة محطتين ونصف المحطة.
كانت الميكروبصات تأتي ممتلئة بالركاب.انطلقت سيرًا على الأقدام فوجئت حرمنا المصون وهي تفتح الباب .
أخبرتها بما حدث معي وأني اتيت إلى شبرا لاخذ منها المفتاح وأعود حتى لا أصل إلى البيت غدا لا اليوم, اكتشفت أني بالفعل قاب قوسين من بكرة فقد قاربت الساعة من منتصف الليل.احتسيت كوب الشاي .اكلت برتقالة واصبعين موز واستعددت لرحلة العودة اخبرتني زوجتي انها اشترت أرز و زجاجتي زيت كبيرتين.
اشفقت عليها أن تحمل هذه الأوزان الكبيرة فأخذت الارز وتركت الزيت لتحضره على مرتين وهي قادمة غدا او بعد غد. إنتهت المفاوضات أن أخذ معي زجاجتي الزيت مع ترك نصف الأرز. حتي تطمئن زوجتي أني لن أضيع مفتاح البيت مرة ثانية فقد رأيت في عينيها ريبة وشك اني قد أضعت سلسلة المفاتيح وضعته بنفسها في الجيب الداخلي للجاكيت مع التشديد على ألا اخرجه من جيبي الا على باب الشقة، عندما أصل لأنها تشك في وجود المفاتيح على طاولة السفرة.
كان ابن اخت زوجتي نائم وكذلك كان ابن أخيها الذي كان يقيم مع عمته بشكل مؤقت،ولماذا أزودك بهذه المعلومة وما قيمتها في الحدث فربما يتبادر إلى ذهنك لماذا لم تقضي سواد الليل عند نسايبك ؟
كانت الساعة تكاد تكون الواحدة ليلا عندما ساقتني قدماي إلى الجامع الكبير، جميلة المأذنة وجميل المدخل والبوابة نصف المقفلة للعيادات التابعة للجامع المكان كله يرفل في النيون الأخضر .
مثقلا بخشية الا يكون هناك ميكروباص لعبود في هذه الساعة المتأخرة ومثقلا بعدة كيلوات من الارز وقواريرالزيت وضعتهم زوجتي في ثلاثة شنط نايلون مثل عرائس الماتروشكا الروسية حتى تقوي احداهم الأخرى. اتجهت للناصية المقابلة حيث اثنان من العمال في محطة البنزين بينهماعتاب لا يتسم بالرقة فقد كان الكلام حول مائتي جنيه لم اتابع الحدث فقد اجابني احدهم باستقطاب بعد ان سألته عن عربيات عبود قال لي دلوقتي متأخر ويبقى تركب من بره على الطريق العمومي.
طب والطريق العمومي ده اروح له منين؟ كان النقاش قد احتدم بينهما ولم ارغب في اطالة الحديث حتى لا أكون شاهدا في النيابة بكرة “عامل يطعن زميله في محطة وقود في شبرا”.
بايماءة من رأسه توجهت إلى الشارع الطويل كان الشارع الرئيس يلوح لي في الأفق ، لكن حتى أصل إلى هناك تجشمت عناء وزني الزائد عن الوزن المثالي ووزن الاشياء التي احملها فكان خطوي وئيدا .َ
تذكرت بشاهد من شواهد الشعر كنا ندرسه في البلاغة وهو بيت من الشعر ينسب لواحدة من ملكات العرب استغربت بطء سير الجمال وهي تنظر من سطح قلعتها فتسألت …..
مال الجمال مشيها وئيدا ……. أجندلًا يحملن أم حديدا
او لنقل مشي الوجي الوحل وقد كان الأعشى يصف حبيبته ومشيتها البطيئة من بيتها إلى بيت جارتها الوجي هو الفرس المصاب في ساقه والوحل من يمشي في الوحل فيخشى الانزلاق.
كان هذا لسان حالي، وأنا اسير في هذا الطريق الطويل الذي خلت أنه لن ينتهي.
جلست قليلا التقط انفاسي وقد بلغ بي الإرهاق مبلغه على حجرة من أحجار الرصيف وقد كانت منخفضة الإرتفاع فكان الجلوس عليها مؤلم والنهوض أشد ألما . و رغم الألم إلا أني ابتسمت وانا اتذكر نكتة
تنطبق على حيث ان عفريتا مسنا جلس كما جلست فمر عليه شاب فقال له خد بايدي ياابني علشان اقوم اخوفك.
ابحث عن احد يساعدني على النهوض من جلستي تلك حاولت التهوض فلم استطع في المحاولة الاولى ونجحت في النهوض في المحاولة الثانية. البعد الرابع للأشياء وهو الزمن في نسبية اينشتاين الفارق بين اسامة 2023 واسامة 1986 عندما كنت في اليمن اصعد الجبال والان لا استطيع ان اصعد رصيف عالي.في 1986 كنت سأنهض قافزًا لاستكمل السير.
وصلت إلى الشارع الكبير كان باتجاهين ايهما اتجاه عبود سألت سائق ميكروباص يلف داخلا في الشارع الذي اتيت منه لتوي عن طريق عبود وما اذا كان رايح عبود نظر لي نظرة بلهاء ولم يرد .
سائق أخر لم يرد علي وانما أومأ لي بالإتجاه المقابل إلا أنه أوحى لي بأنه يقود ال f16. استجمع قوتي لعبور الطريق الذي تسير فيه العربات بسرعة الضوء لا الصوت.
عبود يا باشا؟
اركب يا استاذ.
نقدت السائق أجرته بعد أن جلست في الكرسي خلفه مباشرة، وقد سكنت أعضائي بعد حالة من التوتر والحركة.اعتراني خدر وانا اغالب النوم ، عبود لسة كتير عليها يا هندسة؟
عبود لقد كررت سؤالي عند وصولي لعبود ثلاثة مرات . عموما انت رايح فين؟
المرج او ابو زعبل.
انزل هنا عربيات المرج بتعدي من هنا . لفظني من عربته فقد كان وجودي بالعربة بعد عبود قد اضاع علية فرصة التقاط زبون آخر فما نحن بالنسبة لهم الا جوز جنيهات برجلين تسير على الارض.
ما ان وطأت قدماي أرض الشارع حتى انطلق مسرعا، الم اقل لكم انهم يقودون ) F 16) وليسوا سائقوا ميكروباس.لا يمنع ان يكون من خريجي سان هيرست .
لم البث إلا قليلا إلا وأنا أجلس في العربة التي ستقلني إلى المرج وكان من حسن حظي ان السائق متوجه إلى الخانكة.لم اشعر إلا وانا في الخانكة. نظر إلى سائق توكتوك مر بجانبي كانه يعرفني ارتميت في داخل التوكتوك واخبرته بمكان البيت .تنفست الصعداء وأنا اصعد درجات السلم .اضع يدي في جيب البنطلون الجينز لاخرج المفاتيح،وهنا المفاجأة الكبرى حيث كان المفتاح والسلسلة الخاصة بي وليست مفاتيح زوجتي
فقد كان اللعين يقبع في جيب البنطلون، لقد فتشت جيوب السترة لأنها الأقرب لي ولم يدر بخلدي أن أفتش جيوب البنطلون .
صورة ذهنية انطبعت في رأسي أن المفتاح على ترابيزة السفرة، انا فعلا رأيت سلسلة المفاتيح على الترابيزة ولكن ذلك كان بالأمس القريب وأول أمس فأنا لم أخرج من البيت منذ أن ذهبت زوجتي إلى بيت اختها في شبراوقد ظلت سلسلة مفاتيحي قابعة في مكانها على ترابيزة السفرة طوال هذا الوقت فأنا دائما ما القي بها على السفرة عند دخولي الشقة.