يوم المحبة الأخوية
القس بولا فؤاد رياض.. يكتب
تجسدت المحبة الأخوية على أرض الواقع بين أكبر كنيستين في العالم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية متمثلة في قداسة البابا تواضروس الثاني والكنيسة الكاثوليكية متمثلة في قداسة البابا فرانسيس وذلك بالزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا تواضروس الثاني يوم ١٠ مايو ٢٠٢٣ وتأتي لإحياء مرور 10 سنوات على زيارة قداسة البابا «تواضروس» للبابا «فرنسيس» فى الفاتيكان يوم الأربعاء ١٠ مايو ٢٠١٣، وكذا مرور 50 عامًا على زيارة طيب الذكر البابا «شنودة الثالث» للفاتيكان، حيث جرى الاجتماع الأول بين البابا «بولس السادس»، بابا الفاتيكان، والبابا «شنودة الثالث»، بابا العرب، فى 10 مايو عام 1973.
راجعوا سجلات الزيارة التاريخية لطيب الذكر البابا شنودة التى أطلقت الحوار بين الكنيستين الكاثوليكية والقبطية الأرثوذكسية لأول مرة، منذ مجمع خلقدونية التاريخى (عام 451 ميلادية).
السيد المسيح علمنا قائلا “أنتم نور العالم”(متى ٥: ١٤)
“أنتم ملح الأرض” (متى ٥: ١٣)
“خميرة صغيرة تخمر العجين كله ” (كورنثوس الأولى ١٥)
فهذه دعوة للإنتشار وليس للإنحثار ،دعوة للحب وليس للعزلة والتقوقع
دعا السيد المسيح إلى اتساع القلب بالحب لكل العالم ورفض التعصب والطائفية ، ناد السيد المسيح بثقافة (قبول الأخر) أن نحب الأخر ونتعامل معه مهما كان جنسه ( السامري الصالح – السامرية ) حتى ذهب في تعاليمه إلى محبة الأعداء
” أحبوا اعدائكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ” ( متى ٥ :٤٤)
ومن هنا فنحن أولاد المسيح يجب أن نقبل الأخر (المجتمع الإنساني) وأن نحبه من كل قلوبنا وأن نؤمن بالتعددية والتنوع والحوار مع الأخر وأن نشهد للسيد المسيح بسلوكنا ونطبق وصاياه في كل مكان وأن نسعى كسفراء للمسيح وكرسالة حية مكتوبة نشهد بأن مسيحنا هو مسيح الحب والإنتشار .
فكر مستنير يؤدي إلى سلوك مستنير
لابد أن نتواصل مع الأخرين المختلفين عنا (الجنس- العقيدة- الدين – اللون ….إلخ) من خلال الحوار فلغة الحوار هي لغة الله مع شعبه ففي العهد القديم كان يتحاور مع أنبيائه (إبراهيم – موسى – إيليا …. إلخ)
وفي العهد الجديد كان السيد المسيح يتحاور مع الخطاة (المرأة السامرية) ومع الكتبة والفريسين ومع كل من أراد أن يحاوره فالحوار لغة العصر فقد أنتهى عصر أحادية الرأي والديكتاتورية لإلغاء الأخر وحل محله الحوار الفعال
الحوار هو نوع من التفاعل مع المتحاورين أنه تعبير على رقي العلاقات الإنسانية المبنية على قاعدة المشاركة الفكرية علينا أن نوسع قلوبنا لإحتواء كل الناس .
الإختلاف ليس معناه الخلاف ولكن هو لأداء وظائف متنوعة ولكن في تناسق وتكامل ووحدة
إختلاف + محبة وإتضاع = تفاهم
إختلاف + أنانية وكبرباء = خلاف
من هنا علينا أن نعبر الخلاف مع إخوتنا الكاثوليك بروح الحوار والمحبة والإتضاع نختلف لكن نظل أحباء .
يربطنا بأخوتنا الكاثوليك حوارات مسكونية أسفرت عن أتحادنا في طبيعة السيد المسيح وكان ذلك منذ زيارة البابا شنودة الثالث بابا العرب في يوم ١٠ مايو سنة ١٩٧٣
للفاتيكان ، دامت ٦ أيام كاملة، أسفرت عنها التوقيع بين الكنيستين على بيان تاريخى مشترك حول طبيعة السيد المسيح (وغيرها من المسائل الكنسية الخلافية).
وفي عهد البابا تواضروس الثاني البابا ١١٨ توطدت العلاقة بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية و الكاثوليكية وتمثلت في تبادل الزيارات لقادة الكنيستين حيث زار البابا تواضروس الثاني الفاتيكان منذ ١٠ سنوات في يوم ١٣ مايو ٢٠١٣ ورد قداسة البابا فرانسيس هذه الزيارة بأنه زار مصر في ٢٨ إبريل ٢٠١٧ وترأس قداسته القداس الإلهي تحت شعار (بابا السلام… في مصر السلام) يوم السبت الموافق ٢٩ إبرايل ٢٠١٧ في إستاد الدفاع الجوي (المعروف بإستاد ٣٠ يونيو ) بحضور نحو ٢٥ ألف من المسيحيين من كافة محافظات مصر .
وفي ٤ أكتوبر ٢٠١٧ بارك قداسته في القداس المقام في الفاتيكان أيقونة رحلة العائلة المقدسة في مصر ففتح بذلك باب الزيارة لأكثر من ٢ مليار مسيحي حول العالم لزيارة مسار العائلة المقدسة لمصر.
وقد جائت كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني اليوم الأربعاء ١٠ مايو ٢٠٢٣م.. ٢ بشنس ١٧٣٩ش.
في ساحة القديس بطرس بالڤاتيكان تجسيدا لروح المحبة ومن أجمل العبارات التي قالها قداسته ( أن تكون المحبة شعار حقيقي فيما بيننا ولا تكون فقط كلام نتغنى به) .
وفيما يلي كلمة قداسته :
الأخ الحبيب صاحب القداسة البابا فرانسيس
أصحاب النيافة، السيدات والسادة،
المسيح قام.. بالحقيقة قام
أود أن أنقل لكم تهنئتي وكل أعضاء المجمع المقدس وكل هيئات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالعيد العاشر لاختياركم الالهي كبابا وأسقف لروما، وأُثَمِّن كل ما فعلتموه في هذه الفترة من خدمة لكل العالم في كل المجالات وأصلى أن يحفظكم المسيح في كامل الصحة ويمنحكم بركة العمر الطويل.
أنظر الآن إلى هذا المكان وأعود بذاكرتي عشرة أعوام، في نفس التاريخ متذكرًا محبتكم الغالية في استقبالي ووفد الكنيسة القبطية في زيارتي الأولى لكم، وكيف قضينا بصحبتكم وقتًا مقدسًا مملوءًا بالمحبة الأخوية التي غمرتمونا بها.
هذه المحبة التي صارت شعارًا نحتفل به سنويًا في “يوم المحبة الأخوية” ونتحدث هاتفيًا لنجددها كل عام، وهو يوم يجسد الروح المسيحية والمحبة التي تجمعنا في خدمة الله وخدمة إخوتنا وأخواتنا في الإنسانية ليتم فينا قول يوحنا الحبيب “أيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لِأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ ٱللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ ٱللهِ وَيَعْرِفُ ٱللهَ.” (١ يوحنا ٤: ٧).
لقد خترنا المحبة حتى لو كنا نسير عكس تيار العالم الطامع والذاتي، لقد قبلنا تحدى المحبة التي يطلبها منا المسيح، وسنكون مسيحيون حقيقيون وسيصبح العالم أكثر إنسانية، ليعرف العالم كله أن الله محبة وهذه هي أسمى صفاته.
يتزامن هذا الموعد أيضًا مع الذكرى الخمسين لزيارة البابا شنودة الثالث للبابا بولس السادس وهذا ما يجعله أكثر أهمية وتأثيرًا على العلاقات بين كنائسنا، ولا أنسى شكركم بكل فرح على زيارتكم الغالية لنا في مصر عام ٢٠١٧ وكيف كانت بركة لكل مصر، وحين قلتم “نحن لسنا وحدنا، في هذه المسيرة المشوقة والتي – على مثال الحياة – ليست دائمًا سهلة وواضحة، والتي من خلالها يحثنا الرب للمضي قدمًا، وتدفعنا لأن نكون منذ الآن صورة حية “لأورشليم السمائية”.
ونحن نسير معًا في طريق الحياة واضعين نصب أعيننا وعده ” الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (١يو ٢: ٢٥) ونتعايش فيها ونتكامل معًا مسنودين بالصلاة بحسب هذا الوعد، مهما اختلفت جذورنا وانتماءاتنا فتجمعنا محبة المسيح الساكنة فينا وسحابة من الاَباء الرسل والقديسين تحيط بنا وترشدنا.
لقد جئنا إليكم من الأرض التي كرز فيها مارمرقس الرسول
وتأسس فيها كرسيه في الإسكندرية
ليكون واحدًا من أقدم الكراسي الرسولية في العالم.
أرض مصر التاريخ والحضارة
يقولون عنها أنها فلتة الطبيعة، أبوها التاريخ وأمها الجغرافيا.
جئت إليكم من الكنيسة القبطية التي تأسست في القديم بنبوة في سفر اشعياء النبي
“فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا” (أش ١٩: ١٩).
ثم تقدست بزيارة العائلة المقدسة وباركت أرضها شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا.
مصر الأرض التي انتشرت منها الرهبنة المسيحية وتأسست بقديسيها
انطونيوس ومكاريوس وباخوميوس، ملهمة مدرسة الإسكندرية منارة اللاهوت في التاريخ!
وكانت ولازالت مواضع مقدسة للصلاة امام الله.
ونؤمن أنها محفوظة ليس فقط في يد الله بل وفى قلبه أيضًا.
أنني أقف هنا حيث كرز بولس وبطرس الرسولين، وأفرح أن نلتقى في هذا الصرح العظيم وأتأمل هذه الأعمدة التي تحمل هذا المكان وأتذكر وعد الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا: “من يغلب فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى الخارج” (رؤ 3: 12). وأطلب منكم جميعا أن نتمسك بهذا الوعد، أن نغلب شر العالم بكل ضعفاته كما علمنا الآباء،
وأن نكون على قدر المسؤولية التي نحملها ….
ونعيش كرائحة المسيح الذكية لهذا العالم وأن نجتمع لأجل سلامه.
أننا في هذا العالم نسير كما سار هو، نهتف مع داود المرنم في مزموره “تَمَسَّكَتْ خُطُوَاتِي بِآثَارِكَ فَمَا زَلَّتْ قَدَمَايَ” (مَزَ ١٧ :٥ ) وننادى في كل العالم بالسلام الذى يفوق كل عقل مصلين أن يحل في كل الربوع وأن يكون هو أولوية القادة والشعوب ..
أصلى معكم اليوم ولي كل الرجاء أن يستمع الله الى صلواتنا.
حقا أن البابا تواضروس الثاني و البابا فرانسيس كتفا بكتف يصنعون التاريخ بل يعيدون كتابة التاريخ بمداد من الحب.
لاشك أن هذه الزيارة التاريخية لقداسة البابا ستعود بثمارها علينا جميعا بتعميق المحبة والأخوة بين الكنيستين.
بقلم “القس بولا فؤاد رياض”
“كاهن كنيسة مارجرجس المطرية القاهرة “