هارون الكيلاني .. الخارج عن قانون المألوف والعادة
كتبت.. عائشة عمي
هناك صوت ضد النمطية السائدة يرتفع تدريجيا ،يشد انتباه من يجلسون داخل القاعة والندوة بقاعة الطاسيلي بقصر المعارض الجزائر العاصمة ويزيد من فضول الجالسين خارجا ،فيتسللون إلى هناك لرؤية مايحدث ؟
مالذي يحصل!!!.
إنه رجل يرتدي زيا تقليديا صحراويا وحذاء من الجلد مطرزا بشكل جميل، شعره الأبيض والأسود ينسدل خلف ظهره وكأنه الملك يوغرطة ، جلس الواقفون واعتكف المعتكفون أمام هذا الرجل وراح يلقي نصه حول المسرح وتلك اللذة التي تصيب الممثل وهو يتحرر من قيود الصندوق الإيطالي ، إلى مكان ما من أماكن الموجودة بولاية الأغواط مدينة الشعر والشعراء، والفروسية والفن وأمجاد المقاومة الثورية الجزائرية ،نعم إنه يتحدث عن مسرحة الأماكن وعن الأجواء التي يرسمها ويحققها هذا التفاعل الذي يخلفه الجمهور من اندهاش وفرجة وفرح مع مايقدمه الممثل الذي ينتمي إلى هذا المخرج الخارج عن قانون المألوف والعادة...
لقد زاد انبهار الجمهور وتفاعلوا بالابتسامات وأحيانا بالاستغراب ، مالذي يريد إيصاله لنا هذا الرجل من خلال تخليه عن كرسي التظاهر والرقي والكاريزما التي تتحف المحاضر وتجمله ، بل وضع قدمه على الأرض وهو يقرأ وكأنه أمير من أمراء القصص الخيالية ليقدم خاتم خطبة لأميرته أو أنه ملك عظيم يتخذ وضعية الطاعة لوالدته ليقبل يديها أو أنه متمرد فصيح يريد التدبير لانقلاب ضد الصمت ، ضد الظلام لينشر نور جديد لمسرح راقي بكل أدواته ،الثقة ترتفع داخل هذا الرجل بل أصبح بركانا بعد خموده أراد أن يبزق حممه على من يعتبرون المسرح مجرد آلة سحب للمال في حين أن المسرح هو وسيلة تغيير وتنفيس وتثقيف.
أربع صفحات تلاها على مسمعنا وكلما انتهى من تناول محتواها ، سل سيف الصفحة الموالية بيديه الثائرتين ،كأنه فارس يمتطي صهوة حصان ويحمل سيف ويقوم بقطع رؤوس الأعداء رأسا بعد رأس في عشر دقائق أو أقل.
قد أحسن خلال هذه الدقائق من إيصال رسالة مهمة المسرح لاتربطه أماكن وحدود ، المتفرج نحن من نتنقل إليه إن كان هدفنا حقيقةً المسرح والفن ، إن كان هدفنا حقا أن نحدث الفرجة والمتعة ، اللغة وحدها لاتكفي، والاكسسوار وحده لا يكفي ، بل يحتاج المسرح إلى مثلث برمودا المسرح ، ليستطيع إحداث قوة ركحية مسرحية بامتياز.
هناك من قلد هذا الخارج عن قانون المألوف ولكن لم يحقق ماحققه بعيد الرؤية ، لا ينظر إلى ماهو موجود أمام قدميه ، عندما كان يتحدث كأنه دكتور نفساني أو بروفيسور في تطوير الذات ، كان كلامه قنبلة فجرت السلبية التي بداخل الحاضرين ، وربما تساؤلنا داخلنا لما لا نعطي القيمة لعملنا ، لما هو بين أيدينا، لما لانكون مثل الماء ،مثله في الانسياب والقوة ، نجعل الحياة في الشيء الجاف والجامد ليصير مرنا أكثر .
عرج في حديثه على اللغة العربية من نافذة الكاتب والمخرج ” محمد بويش ” واستدل لنا بقصة قد عاشها في إحدى البلدان ،صديقة ناطقة بغير لغتنا الجميلة دعته لمشاهدة عزف لفرقة موسيقية ، لبى الدعوة قائلاً في نفسه لأذهب وأرى الأداء عند المدخل تفاجئ بالملصقة العرض .. فرقة مسرح عربية معروفة سبق له أن شاهد ها ، لم يخبرها بذلك ودخل وشاهد العرض واستمتع به وعندما انتهى … قال لها ماسبب قولك فرقة موسيقية في حين ماشاهدناه هو عرض مسرحي ، قالت له ألم تسمع هذا الطرب والنغم الذي تحدثه الكلمات قائلاً لنا: إنها قوة لغتنا الرائعة وكأنه أراد أن يقول وجب إعطائها الأهمية وفي نفس السياق أسعدنا بتحضيره لعرض مسرحي باللغة الإنجليزية والعربية الفصحى مشيراً من يحب المسرح وجب عليه الرقي كذلك والتطوير .
التمرد جيد لكن في إطار المستحب والمسموح مادمت لاتخالف الأعراف ولا تسيء بعملك … تمرد أي أتقن ودع من يقلد يقلد سيأتي اليوم الذي تنهك فيه قدماه أو يرفع راية استسلامه ، أنت لك نظرة مستقبلية وهدف تريد الوصول له ، أما من يقلدك سرعان ما سيقلد آخر ، كن الأصل ولا تكن التقليد …
إلتمسنا فيه روح الفنان وحماس الكاتب وقوة وغضب المخرج .... هو الكاتب والممثل والمخرج هارون الكيلاني "من مسرح الأغواط يرقصنا على نغم الصحراء بأسلوبه وطريقته الخاصة".