مواقف كثيرة نمر بنا في هذه الحياة ولم تكتب لها “نهاية” فتبدأ تتجمع أحداثها وتتفاقم وتتراكم في عقلنا اللاواعي ولا تنتهي
وعلى الرغم أن لكل شيء في هذه الحياة نهاية، فمثلًا، أي فيلم له نهاية معروفة، ولو حتى مسلسل متعدد الحلقات، كل حلقة تنتهي تكتب هذه العبارة”إلى اللقاء في الحلقة القادمة” ليلزم المشاهد بتتبع كل الحلقات حتى الحلقة الأخيرة ليتعرف على النهاية ..
هذا ما يحدث للعقل البشري، يجب ولابد أن ينهي فيلم المواقف والأحداث المخزونة به على نهاية مريحة، وهذه هي طبيعة النفس الإنسانية السوية .
فكل إنسان يمر بمواقف تسبب له آلام وأوجاع وحسرات، يجب أن ينهيها نهاية مريحة لصالحه ليغلق هذا الملف الموجع .
ولكن !
لو هذا الفيلم لم ينته بأحداثه المؤرقة على نهاية محسومة، نجد العقل يبدأ يدور في دوائر مغلقة من الحيرة وعدم الراحة .
“مثال توضيحي”
تواجدت في امتحان وصادفتك مسألة لوغاريتمات وأخفقت في حلها، فتخرج من الامتحان وعندك إلحاح وشغف شديد بإنك لابد أن تتعرف على حلها، بغض النظر إنك ستحصل على درجات قليلة،
لأن العقل لا يهدأ إلا إذ استقر ورسا على ميناء الحل ..
فالمواقف التي لا تحل، من أهم وأخطر المصادر التي تكون سببا للأمراض النفسية ..
والجدير بالذكر .. هذه المشاعر المدفونة بالذاكرة لن تموت، فإذا لم تنهيها أول بأول، ستظل مخزونة داخل عقلك اللاواعي حية، ودائمًا وبصفة ديمومية تداوم في البحث عن حل وإذا لم تجد حلًا، ستتعبك وتؤرقك .
“توضيح أكثر ”
داخل كل نفس إنسانية، يوجد مثل “متحف” به أفلام تحوي بداخلها أحداث ومواقف وقصص كثيرة ..
تخيل أن لديك ملفات “files” داخل عقلك، داخل folder خاص بدماغك عبارة عن أفلام وقصص وأحداث تحدث منذ طفولتك حتى التو واللحظة ومتجمعة في ملفات ولا تعرف نهايتها .. ماذا سيحدث لك ؟!
عموما سنورد أولا أمثلة كثيرة من هذه المواقف للتوضيح ..
(١) وأنت صغير تعرضت لموقف انفعالي مثل (أذى أو إهانة من أهلك..من والدك ..من والدتك ..من عمك ..من خالك ..من صديقك ) وبحكم صغر سنك في ذلك الحين لم تعرف كيف ترد عليه ..
(٢) أخوك الأكبر منك “وأنت صغير ” أخذ منك شيء يخصك دون علم والدك أو والدتك وأخذ لعبتك أو حاجة “أنت كنت تحبها ” ولم تعرف كيف ترد عليه …
(٣) زميلك في المدرسة تنمر عليك أمام زملائك (على لبسك ..على شكلك ..على شعرك ..على عينيك ..على نضارتك ..على تخنك ..على عجزك ..على كلامك ..على كسلك ..على عدم شطارتك ) ولم تعرف كيف ترد عليه …
(٤) مدرس أهانك أو ضربك أو سخر منك أو قارن بينك وبين أحد أو أعطى جائزة لولد وتناساك أنت …
فعشت مع هذا الفيلم الأليم ولم تعرف ماذا تفعل وكنت تتمنى أن هذا الفيلم ينتهي على شيء يفرحك ..
(٥) مديرك أو رئيسك ظلمك وتعدى على حقوقك، وأخذت الأحداث تتوالى من حدث لحدث ومن فيلم لفيلم ولم تعرف تأخذ حقك وأنت تعلم جيدًا أنه ممكن يتعبك (يحطك في دماغه ) …أو أنت خائف منه مع إنه “هو غير ذلك “فقد يكون شخص طيب. لكن بسبب الرعب الذي بداخلك، لم تعرف تأخذ حقك …
(٦) وقعت قصة حب بين ولد وفتاة ..أو فتاة وقعت في قصة حب بينها وبين ولد، وبسبب ما تركته في منتصف الطريق في لحظة ما وبدون تفسير، وكان يتوق إلى معرفة السبب ….
كل هذه المواقف وغيرها من مئات وآلاف المواقف، تحدث بداخلنا ولم يكتب لها النهاية …
بكل تأكيد هذه المواقف المفتوحة التي بداخلنا، إذا لم نضع لها نهاية محسومة، تدخلنا في حيرة وتشتت تركيزنا ..
مثل شخص يسير في جو حار جدًا في صحراء جرداء لا نبع فيها ولا ماء، فجأة لمح شخص يحمل في يده اليمنى كاس به ماء ساقع وفي يده اليسري كتاب زاخر بمعلومات قيمة وقصص وروايات، فماذا يختار ؟
أصبح أمام اختيارين مهمين ولكن الاختيار الملح في داخله “في تفكيره” أن يروي عطشه الشديد أولا، وهذا لا يمنع انشغاله أيضا بالكتاب ..صحيح الكتاب مهم والثقافة مهمة والشغل مهم والبيت مهم والدراسة مهمة لكن تفكيره شغال أكثر في الحاجة الملحة “وهي أن يروي عطشه “،
والشيء اللافت للانتباه!
إن هذه الأشياء المعروضة عليه، مثل الكتاب قد يكون لها مردود اقتصادي مردود نجاح أو شهرة، لكن كان مشغول أكثر بالماء الساقع فتولدت داخله دوامات من الحيرة وعدم التركيز ..
وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل، سنعرض أهم الآثار المترتبة على تراكم هذه الملفات والمواقف المفتوحة التي لم يكتب لها نهاية ؟
(١) “التشتيت الذهني”
وكما ذكرنا في قصة الماء والكتاب، أن تفكيرك دائما في الأهم، صحيح عندك مهمات حياتية (إنك تذاكر ..تتزوج ..تبحث عن عمل ..تؤلف كتاب ..تبدأ مشروع …..) لكن الملفات والمواقف المتراكمة والمتزاحمة داخل عقلك اللاواعي لم تقفل، فتكون النتيجة إنك مع الناس أو مع ما تريد عمله أو انجازه بنصف تركيز والنصف الآخر من تركيزك في المواضع القديمة المتراكمة بالعقل اللاواعي والتي تحتلك وتورقك وتشغل بالك …
والجدير بالذكر .. كل منا له عقلان، عقل واعي وهو الذي نتكلم به ونفكر به ونكتب به فمثلًا وآنا أكتب هذا الموضوع أستخدم العقل الواعي لكن العقل اللاواعي هو مكان تخزين المواقف والأحداث التي حدثت منذ الصغر ..وهذه المواقف والملفات كما ذكرنا وأكرر يجب تكتب بجوارها هذه العبارة ” كيف يجب إنهائها ” ونغلق الملف الخاص بها .
يمكن تشبيه ذلك بالآتي:
كأنك ماسك موبايل وفاتح windows كثيرة الواحد تلو الآخر وبصفة مستمرة وتعمل search باستمرار للبحث عن أفكار كثيرة (تفتح windows وتعمل search وتكرر هذا الفعل مرات ومرات ومرات ….)
بعدها ستجد أن تحميل الموبايل أصبح ثقيل وغير قابل للاستجابة لأي orders أو أوامر توجه إليه ..
هل تعرف ما السبب في ذلك؟
لأن مئات ال windows مفتوحة وأنت لم تقفلها (لم تعمل لها “close “ لأن البحث مازال مستمر يلف ويدور دون توقف .
الخلاصة ..
التشتيت هو أن عقلك لا يشتغل بكامل طاقته، فكما ذكرنا، تكون مع الناس بنصف عقل والنصف الآخر يفكر باستمرار ( وفي نفس اللحظة ) في الملفات المفتوحة بأسفل العقل الواعي بما تحمله من مواقف أليمة ومشاعر مجروحة ومشكلات كثيرة لإيجاد حلول لها،
مثل (البنت التي أحببتها وتركتك ..المدرس الذي ضربك وأهانك .. المدير الذي ظلمك ..الصديق الذي غدر بك ….)
والغريب ..قد يكون مضى على هذه المواقف والمشاعر المجروحة شهور عديدة وممكن سنوات، لكن مازالت هذه الملفات القديمة شغالة اسفل عقلك، وشاغلة تفكيرك، لأنك لم تنهيها نهايه تفرحك وتكون على هواك …
(٢) “الاستنزاف ”
لو رميت حجر صغير في ماء فتبدأ تتكون دوائر صغيرة ثم تتسع أكثر فأكثر، ولو رميت حجر آخر يعمل دوائر وتتسع أكثر فأكثر ولو كررت التجربة تظهر دوائر مستمرة بلا توقف مع استمرار الرمي…
هذا ما يحدث للمواقف، تظل شغالة في دوائر اللاواعي (زعلان من فلان …فلان ظلمني ..فلان خدعني ..فلان أهانني ..حبيبتي تركتني ….و. ..و …و ..) مواقف كثيرة تستنزف عقلك …وقدرتك على التركيز والتحصيل والإنجاز تضعف، لأن المواقف مازالت شغالة باستمرار في عقلك اللاواعي …
فياليتنا ننهي هذه المواقف بقدر الإمكان نهاية لصالحنا …
(٣) “اضطراب المشاعر وإنهاكها ”
المشاعر هي طاقة ( أحب ..أتعامل ..أفرح..أتفاءل. أصاحب .. أكسب .أخرج ..ألعب …….) مشاعر من الحب والرضا والمتعة واللذة …
وبسبب هذه المشاعر المنهكة القديمة التي بداخلك المتكونة من الصدمات السابقة( الأفلام المفتوحة .. المتحف الكبير والملفات القديمة المتكونة داخل دماغك تجعل مشاعرك دائما مضطربة..
فأحيانا يشعر الإنسان بحزن غير مفهوم ..بمضايقة ليس لها معنى ….بغضب غير مسبب …بحيرة لا يستطيع وصفها .. وعندما تسأله عن السبب، يقول : أنا متضايق بدون سبب ..
وعندما تساله هل عندك مشكلة صعبة ؟هل تعرضت لموقف صعب ؟ يقول : لا..
وحقيقة الأمر هو مصنف “مريض ” وداخل في مرحلة اكتئاب..
لكن لو أحد جلس معه وسمع له للأخر وتابعه وأنصت إلىه سيجد أن هذا الشخص غالبا تعرض لمواقف صغيرة متراكمة وكل موقف لا يستاهل التفكير فيه ..
ولكن عندما تجمعت وتراكمت هذه المواقف الصغيرة لعشرات ومئات المواقف، حتما وصلته لما هو عليه ..
وتجده يبدأ يصرح ويقول :(أنا زمان وقعت في حب فتاة ولكن خلاص نسيتها …)
لكن في الواقع هو لم ينساها بل مازال يفكر فيها، لأنه لم يغلق الموضوع أو هذا الملف ..
هو كان محتاج حاجات يقولها (ليه ؟وإزاي ؟ وفين ؟ وكيف ؟ ..) حتى يخرج هذه الفتاة من عقله ومن ذاكرته ويقفل هذا الملف المفتوح ..
العالم حاليا دخل في إدمان بسبب المشاعر المنهكة،
فالإنسان أصبح يبحث عن شيء يخفف عنه وطأة هذه المشاعر ،
فتجده يعدي الشارع وهو يتكلم في الموبايل، يقرأ رسائل على الواتس وهو ماشي في الشارع وسط الزحام .. وبعض سائقي المركبات يختلسون الوقت من حين لآخر ليبحثون ويقلبون في الموبايل ولا يبالون بالزحام ولا بالتصادمات ..
الكل كاد أن يكون مستعبد للموبايل،
“حيرة الأفكار واستنزافها، جعلت الإنسان وكأنه يبحث عن الملف القديم الذي لم يقفله”
عن المعلم الذي أهانه ..عن الصديق الذي غدر به ..
عن الإنسانة آلتي أحبها وتركت خلفها جرح عميق، وكأنه يقول لها : “انتي فين؟ محتاج أشوفك ونتكلم ونتفاهم “…
(٤) “كبش الفداء” scapegoat
من ضمن الآثار المترتبة على تراكم المشاعر المجروحة هو أنك ترى العالم من خلال هذه المشاعر ، تحاول تبحث عن ناس (كبش فداء) تحل معهم الموقف القديم وهم ليسوا من أصحاب الأمر، بمعنى آخر، أن عقلك اللاواعي يعمل انتقائية لبعض ناس عملوا مواقف متشابهة لما حدثت لك ويلعبوا دور البديل فتحل الموقف معهم .
“مثال توضيحي ”
واحد عنده غضب غير مفهوم عمل ثورة عارمة على موقف صغير لا يستاهل، فتجد خناقة بلا مبرر كبرت وزادت حدتها ..
أو كلمة قالها أحد ما (مثل تعليق على بوست وقد تكون بدون قصد ) وفجأة تجد شخص سخن الموضوع وفي لحظات أخدت هذه الكلمة أكبر من حجمها، وتجدها انتشرت كالنار في الهشيم، وتسأل عن الحقيقة تجد أن هذا الشخص كان عنده موقف قديم ضايقه بسبب كلمة مشابهة، أو تعرض لموقف قديم مشابه لهذا الموقف، فتجده يثور ويخرج كل طاقته المكتومة في هذا الشخص الذي قال هذه الكلمة لأنها فكرته بموقفه، فأخرج كل طاقة الغضب القديم من “فيلمه المفتوح الذي لم تكتب له نهاية” على هذا الشخص ..
أو خناقة بين زوجين غير مفهومة ..أو بين أصدقاء …أو بين أهل، وتجد الموضوع كبر فجأة وزادت حدته وتسأل عن السبب تجده سبب تافه لا يستحق كل هذا الانفجار وانتشر في الحال وتم تشييره على الفيس بوك وعلى المواقع الالكترونية والناس كلها عرفت بالموضوع وللأسف الموضوع في حقيقته تافه جدا ..
وقد يكون سبب هذا الانفجار كلمة قيلت عفويا،لكنها جاءت على الجرح وداست على الوجع الدفين المخزون بالعقل اللاواعي .
أو شخص تملكه خوف قديم غير مبرر. فوجد نفسه أو تم وضعه في موقف مشابه ..
“مثال للتوضيح ”
شخص عنده خوف مرضي رهيب أو نوبات هلع “panic attacks“ تسأله عن سبب هذا الخوف يقول :
“انا كنت أزور طبيب وأخبرني بأنني قد يكون عندي مشكلة في القولون”
أو شخص آخر ذهب للطبيب وطلب منه يعمل أشعة على المخ، ومن لحظتها لا ينام الليل لأنه كان عنده خوف قديم وعندما وضعه الطبيب في موقف مشابه، فازداد الخوف عنده،مع أن المرض قد يكون بسيط ويأخذ له دواء ويشفى ..
أو شخص تملكه خوف لأنه تعرض لتهديد معين وهو صغير من شخص أكبر منه ظلمه أو أذاه أو تعبه، وعندما تم وضعه في موقف مشابه، كبر عنده التهديد بداخله .
أو شخص عندما أراد أن يركن سيارته في مكان ما، السايس أهانه وعلق عليه فخاف منه خوف رهيب مع أن هذا الشخص له مكانة مرموقة في المجتمع والسايس إنسان بسيط، ورغم ذلك خاف من السايس لأن هذا الموقف استدعى موقف قديم مشابه حدث له ..
أو شخصان يتكلمان معا أمام شخص ما، وهذا الشخص وارده إحساس بأنهما يتكلمان عليه، وهما في الواقع غير ذلك، لأنه وهو صغير تعرض لشخص يتكلم عليه في غيابه ويشهر به، فأصبح عندما يرى أشخاص تتحدث مع بعضها، يأتي له إحساس دفين بأنهم يتكلمون عليه ..
أو يأتي إليك مشاعر حب بلا مبرر، فمثلًا تحس أن إنسانة تحبك وهي أصلًا” لست أنت في دماغها”
لكن جاء عندك هذا الشعور عندما (قابلتك ..نظرت إليك ..ابتسمت ..سلمت عليك) وفجاة وجدت تداعيات الحب بدأت تتسلل داخلك لتستدعي فيك قصة حب قديمة بينك وبين إنسانة، فأخذت تتذكر وتستدعي هذه المشاعر المجروحة المتواجدة بالملف المفتوح الذي لم ينتهي كما ينبغي ان ينتهي ..
أو الموقف يحبسك “ممكن تكون أسير نفسك ” محصور في نفسك ..محبوس ..مضغوط ..لا تستطيع الخروج منه ..أفكار باستمرار تدور وتلف داخلك .. تعمل لك قيود أو غمامة على عينيك ..
الحبس الداخلي هذا، وإحساسك الشديد بأن الدنيا مظلمة حولك، ولا يوجد أمل وحاسس أن غدا ليس أجمل، يجعلك دائما محيط ويتعبك نفسيًا..
التشتيت والاستنزاف واضطراب المشاعر وكبش الفداء والحبسة من أهم مصادر الأمراض النفسية، فهي تسبب (غضب انفجاري burst of anger..وسوسة فكرية و تدخل الشخص في توتر واكتئاب شديد )..وأحيانا استمرا. هذه المواقف وتزايدها يعجل بالتدشين والتكريس لظهور أمراض نفسية كانت موجودة لكنها بدأت في الظهور نتيجة مواقف ثقيلة من ظلم أو إهانة أو تخلي من أهل أو أحباء أو مدرسين أو آباء.. وتظهر الأمراض النفسية مثل (إنسان ماشي يكلم نفسه ..أو يدخل في هلاوس ووساوس وهواجس ..أو يتخيل شخصيات في الهواء يكلمها ..) وتكون هذه الأعراض بداية لظهور الأمراض العقلية ..
ولو بحثت وراء المرض العقلى لوجدت أن صاحبه كان عنده استعداد وراثي وكان ممكن يظل طول عمره سليم، لكن استمرار المواقف المتعبة والأفلام غير المنتهية يعجل في ظهور الأمراض النفسية بكل أنواعها
“الحلول العلاجية”
تعتمد على الآتي :
الاحتمال الأول ..
(١) القدرة على استرجاع الزمن، إنك تستطيع أن ترجع بالزمن للوراء ..ترجع ..ترجع ..ترجع في الماضي وتستدعي الزمن القديم الذي حدث فيه هذا الكلام (وهذا عمليًا لكي يحدث “شبه مستحيل”)
ولكن !
من الممكن استدعاء الماضي في حالة واحدة فقط، إذا كان الحدث قريب، لكن لو كان حدث في فترة الطفولة المبكرة، قد يصعب استرجاعه وتكون حبيس الدوائر التي تدور فيها هذه الاحداث والملفات المفتوحة التي لم تنتهي ..
الاحتمال الثاني ..
إنك تبحث عن الشخص الذي تسبب لك في زعلك (صديقك ..زميلك ..زوجتك
..والدك ..والدتك ..) وهذا يتطلب منك شجاعة وجرأة بأن تذهب وتعاتبه
وهذا التفريغ المستمر لموقف داخلك يلف ويدور باستمرار يساعدك بأن تفتح الباب المقفول وتكتب نهاية للقصة التي دائما تؤرقك ..
قل لنفسك :(أقوم وأذهب الآن ) لا تتردد حتى لا تتعب ولا تستنزف ولا تتألم ولا تسجن داخل مشاعرك ولا تبحث عن شخص (تفش فيه همك ) ويكون كبش فداء وأنت لا تعرف ماذا يحدث لك !!
اذهب ..واجه ..عاتب …تكلم معه …حتى لو لم يسمعك ستكون عملت ما يملي عليه ضميرك ..
قل له : أنا محتاج أقول لك كلمتين ..أنا أحبك وأقدرك برغم إني زعلان منك، لكن أتيت لأعاتبك وأفضفض لك لأني أحبك..
ثق تماما بمجرد إنك تقول هذا الكلام، الموضوع يهدأ..
وفي كثير من الأحيان وأنت تأخذ هذا الموقف الذي فية الجرأة والمبادرة والشجاعة والخروج من الذات، النفس تهدأ وترتاح وتكتشف بعدها، إنك واجهت الفيلم المفتوح وكتبت له نهاية لصالحك
فمثلا.. زميل لك كان عنده فرح ولم يرسل لك الكارت،
كلمه في التليفون وقل له :أنا كنت منتظر ترسل لي الكارت، ومع ذلك سأحضر الفرح لأني أحبك ..
وأنا مقدر ظروفك ومشاغل الفرح ..
أو أنت كان عندك حالة وفاة وكنت متوقع عدد كبير يحضر العزاء، وأحد أصدقائك لم يحضر العزاء، فلا تكون ردة فعلك، إنك تقفل على نفسك وتأخذ منه موقف، بل عاتبه وقل له : كنت منتظرك تعزيني، ويا حبذا “تكون أكثر لطفًا وحكمة وحنكة وتقول له هذه الجملة : أنا عارف إنك نسيت، لكن مجيئك كان سيفرف معي ..
ستجده يعتذر لك، وتكون أنت وصلت له رسالة وأيضا أنت شفيت من الوجع والألم لأنك فضفضت وأعلنت عما بداخلك وتجعله هو أيضا يتذكر الواجبات التي يجب أن يعملها تجاهك أو تجاه الآخرين ..
الاحتمال الثالث
في بعض الأحيان تذهب للشخص الذي جرجك أو الذي قصرت في حقه أو أذيته ولم تجده، فقد يكون( وافته المنبة ..أو هاجر ..أو غير مكانه …) أو موقف حدث لك في الطفولة وصعب عليك إنك تستدعيه،
والحل يكمن في إنك تستدعي الموقف بالتعاون مع متخصص أو أخصائي نفسي وهذا مايسمى physicodrama in teaching
بمعنى إنك تستدعي هذا الشخص (هذا الموقف) شكلا وموضوعا وحضورا ولبسا ومكانا وزمانا ) ثم تغمض عينيك وتحاول تستحضر هذا الشص صاحب الموقف “تحت إشراف الأخصائي” وتحاول توصف الحدث بالتفصيل بقدر الامكان وتعيشه وتتعايش معه، باستدعاء قدرتك على التخيل وتحكي القصة كما كانت وتخرج ثورة المشاعر التي بداخلك لكي ترتاح وتنفث وتفضفض عن نفسك
مثال
شخص قصر في حق والده وعنده شعور شديد بالذنب ورغبة شديدة واحتياج ملح urgent need في أن يسامحه ولكن والده وافته المنية قبل أن يذهب إليه لكي يسامحه ويعفو عنه، فيبدأ تتولد عنده مشاعر حزينة والشعور بالذنب، ويصبح عنده جرح عميق وموقف مفتوح بداخله لم يقفل ويكلم نفسه مثل «بابا سابني ..أنا مقصر في حقك يابابا .. سامحني يابابا»
وكما ذكرنا ممكن هذا الشخص يستدعي الموقف ويستحضره بالتخيل مع مساعدة الأخصائي فيبدأ في تفريغ مشاعره بالبكاء ويتأثر ويعيش الموقف وكأن والده بجواره بسمعه وبهذا يستدعي طاقة المشاعر المخزونة، فتخرج بأقوى ما كانت عليه، فيبكي وينهار ويستخدم كلمات صعبة تجسد كمية الحزن الشديد وعذاب وتأنيب الضمير والجرح العميق الذي بداخله …
وأيضا الصلاة موقف علاجي بأنك تصلي وتتوسل إلى الله أن يزيل الوجع الذي بداخلك، وتستدعي الموقف وتحاول أن تغلقه،
بعد استدعاء الموقف ويتم الشفاء، ننصح طالب العلاج أن يسامح ويصفح ويحزم الأمر ..
لأن استمرار الغضب والحقد
والسخط واستدعاء الموقف سيتعبك أكثر« أنت الذي ستذوق المرار ألوان.. مرر الموقف قبل أن يمررك » سامح واصفح حتى يتم الشفاء من الوساوس واجترار الأفكار،
وهذا يحتاج منك وقفة حاسمة وجهاد وجرأة وأمانة وصلابة وكبح جماح الذات ..
صحيح الموقف صعب وستراودك أفكار كثيرة مثل «مش قادر أنسى..مش قادر أحترمه.. مش قادر أحبه لأنه ظلمني»
لكن بالتدريج تهدأ الأمور .. عليك أولا أن تشفي الجراحات القديمة وتخرج النفس المجروحة من داخلك واحدة واحدة واغلب حزنك بالتسامح
وفي النهاية
حاول جاهداً وبقدر المستطاع، غلق الملفات المفتوحة، وإن لم تستطع أن تنساها “تناساها ” حتى لا تصنع لنفسك مناخ ملائم لنمو القلق والتوتر وتعذيب الضمير والذي كل هذا يقودك إلى بالوعة الأمراض النفسية