أدب

ليلة منيرة

ليلة منيرة

ماهر اللطيف.. يكتب

كنا نفترش الأرض ونلتحف السماء المزركشة بالنجوم والقمر المكتمل ذات ليلة من ليالي الصيف الحار، وكان المكان مزدحما بالزوار والرواد الذين فعلوا مثلنا وأكثر أحيانا – إذ تناول بعضهم وجبة العشاء على عشب هذا المكان، ولعب الورق والشطرنج وغيرهما من الألعاب نزر آخر، وصلى العشاء جماعةً كثيرٌ من الحضور من الجنسين، ولعب الأطفال الكرة وبعض الألعاب الأخرى، فيما استغل قلة من المحبين المكان ليقوموا بأعمال معادية للخلق والأخلاق والدين والعادات والتقاليد أحيانا ،… -.

فقد استعملت فخذها الأيمن وسادة وضعت عليها رأسي وهي ممددة على أخضر العشب وكلانا ينظر إلى السماء – وقد توسدت يديها-، وكانت الموسيقى تصلنا من نزل المدينة الذين كان المشرفون عليها يقيمون الحفلات الصيفية الليلية ويجتهدون من أجل استقطاب المزيد من الحرفاء والرواد الذين سينعشون خزائنهم حتما بما سيستهلكونه من مأكولات ومشروبات، وأصوات أمواج البحر تنعش أسماعنا وتطرب أفئدتنا من الجهة المقابلة وتعزف أبهى وأرقى السمفونيات….

فكنا نتجاذب أطراف الحديث من هنا وهناك، نناقش أمورنا ونخطط لغدنا، نضحك كثيرا ونغضب قليلا أحيانا ،ألعب بشعرها تارة وتبادلني اللعب أحيانا أخرى، نردد معا كلمات بعض الأغاني التي تبلغ مسامعنا ونحن ننظر إلى بعضنا البعض وقلوبنا ترتجف حبا وعشقا ، نصمت بعض الوقت ونحن نراقب ما يدور حولنا وننقد بعضها مرارا، أقبل يدها وتقبل يدي كلما سنحت الفرصة تعبيرا على الولاء والوفاء والإخلاص….

وبقينا كذلك إلى أن تقدم الوقت رويدا رويدا و بدأ المكان يقفر بعد انتصاف الليل من الناس ، وتغيرت معها نوعية الموسيقى وانبعثت أغاني الزمن الجميل في كل الأرجاء مثل أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وغيرهم، وبهتت الأضواء وقلت الحركة إلى أن بات المشهد رومانسيا بنسبة كبيرة إضافة إلى تعالي أصوات أمواج البحر ونظمها لأحلى الألحان ، وتنامي المحرمات بالتالي وكثرة الذنوب والشرور مما جعلنا نستقيم وقوفا ونستعد للرحيل بعد أن كدنا ننهي حديثنا وهي تقول لي بلكنتها الحنونة المعتادة:

-… لازلت أتذكر تلك الليلة التي سهرنا فيها هنا في مثل هذا التاريخ منذ ما يزيد عن العقدين ونحن في طور الخطوبة (وقد انتبهت لحديثها انتباها شديدا لأسترجع ما ستقوله) حين قلت لي حرفيا “أ رأيت تلك النجوم وما تصدره من نور ورونق وجمال؟

  • (مقاطعا ومبتسما وصائحا حتى التفت إلينا من كان بجانبنا) لا يساوي نورها ورونقها وجمالها شيئا أمام نورك ورونقك وجمالك
  • (مقهقهة ومواصلة بصوتها الرقيق ومشيرة باصبعها إلى القمر) وذلك الكوكب المضيء للبسيطة حيثما يطؤها ويغطيها”
  • (ضاحكا ومواصلا) أنت أجمل وأشمل وأكثر بياضا ونورا وكمالا يا مالكة القلب والعقل وكل مكوناتي…
  • (بعد تفكير وصمت قصير) لكنك نسيت هذا الكلام وتجاهلته بمرور السنين بعد أن ذبل البدن وهزل وحاصرته الأمراض والعلل
  • (مقاطعا بشدة ورافعا صوتي) بالعكس يا حبيبتي، فنورك وجمالك وأفعالك وأقوالك أصبحت أكبر من كلماتي وعباراتي التي يستحيل معها ايفاءك حقك ووصفك، حبك أشمل من عباراتي التي تخر احتراما وتقديرا لك كلما قدمت وحضرت…

فنفضنا أدباشنا ورتبنا حاجاتنا وأمورنا ومسكتها من يدها ،ثم شرعنا في التحرك ومغادرة المكان الذي بات مشبوها ومقززا في هذا الوقت من طرف الصعاليك و “قطاع الطرق” والمجرمين وبائعات الهوى والسكارى وفيالق العشاق – وجلهم إن لم أقل أغلبهم من الشباب والمراهقين – وغيرهم…

فلم نلتفت إلى أن امتطينا سيارتنا وطوينا الأرض طيا في اتجاه منزلنا ولازلنا نخوض في ذكريات علاقتنا و أسرارها التي كانت سببا من أسباب استمرار حبنا وزواجنا رغم الهنات والهزات والصعوبات التي تضرب المتزوجين عامة فتقوي علاقاتهم وتنميها أو تقضي عليها وتنهيها….

ليلة منيرة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى