كتاب ومقالات

كيف تصنعين من إبنك رجلاً

بقلم.. د.صالح وهبة

أحيانا كثيرة نخطأ في تربيتنا لأولادنا فنحصل على منتج مدلل لا يعتمد عليه كرجل مسؤول عندما يكبر ويواجه الحياة وتحدياتها،
ومن أهم هذه الأخطاء :

(١) “الاتكالية والتبعية “

فنجد الولد ماسك التليفون ويقلب في الصور والرسائل ومنهمك وهو في عالم آخر ويطلب من أخته أن تحضر له كوب ماء أو جالس مستلقي ويطلب منها أن ترتب له ملابسه أو تدخل المطبخ لتعد له ساندوتش، والأم راضية بذلك لأن في اعتقادها بأن الولد لا يصح أن يدخل المطبخ أو يعمل أشياء ولو بسيطة ليساعد أخته،

وللأسف يعيش هذا السلوك وهذه المعتقدات مع الولد طوال حياته، فعندما يكبر ويتزوج، يكون عنده اتكالية على زوجته، فيعتمد عليها في معظم الأشياء “وقد تكون بسيطة” فتبدأ تضعف شخصيته أمامها تدريجيا..

أيها الأب :

عود ابنك منذ الصغر على أنه رجل مسؤول ونمي فيه هذا الشعور وتابعه، حتى عندما يكبر لا يصدم بالواقع الذي لا يرحم ..

أيتها الأم :

عودي ابنك على الاستقلالية في الرأي فلا تجعلينه يعتمد على اختيارك له (في لبسه ..في كليته ..في أختيار الأصدقاء ..في البنت الذي سيرتبط بها ) فلا تفرحي وتتباهي عندما يعتمد ابنك على اختيارك فيما يخصه، لأن بذلك تجني عليه وتخرجي منه شبه رجل وليس رجل يعتمد على نفسه في اختيارات الأشياء،

لأنه بهذا لا يستطيع اتخاذ قرارات ( مع زوجته ..مع أولاده .. حتى مع الأصدقاء) ويرجع للأم ليأخذ رأيها في كل شيء لأنه تربى على ذلك ..

(٢) “التمييز والأنانية والفوقية”
أحيانا الأم تعامل أبنها معاملة خاصة وتقدير خاص وأنه أفضل من إخوته البنات فتبدأ تخصه بالنصيب الأكبر في كل شيء (في اللبس ..في الأكل ..في الشرب ..) وفي بعض الاحيان تأخذ الأم اللعبة من البنت وتضربها لترضي الولد، وكل هذا يجعل الولد يصدق نفسه،
ويعيش هذه الفوقية وهذه الأنانية ويكبر بها وعندما يتزوج يسلك هذا المسلك مع زوجته ومع أولاده أيضا ويخص لنفسه كل شيء، ويخفي عنهم الأكل (على سبيل المثال) ويتعامل مع الناس بتعال وكبرياء وغرور لأنه تربى على ذلك ..

(٣) “الجحود والجفاء العاطفي”

لا تربين ابنك على الجحود، اخبريه بأنه توجد حاجة أسمها “عواطف ومشاعر وأحاسيس ” فمثلا عندما الولد يبكي لاتقولين له : (عيب ! الراجل ما يبكيش ) عرفيه بأنه عادي أنه يعبر عن مشاعره سواء بالبكاء أو بالفضفضة، لا وآلف لا لكتم المشاعر، الرجل مشاعر وأحاسيس وقلب ودم .

لأننا لو عودناه على الجحود وكتم المشاعر، بهذا نربيه على أنه عندما يحس بتعاطف مع زوجته ويصعب عليه موقف معين، يكون داخله قبضة حديدية، لأنه تعلم منذ الصغر أن الرجل لا يعمل الحاجات الضعيفة .

ربي ابنك على التعاطف والحنية فمثلًا : لو أخته تعبانه وقصرت في مساعدته لسبب ما أو لعذر ما، ليس من الضروري يسأل عن سبب تقصيرها بل بكل تلقائية يتعاطف معها ويساندها، وهذا هو قمة الرقي في التعامل ..

عندما يطلب الولد من أمه أن تشتري لاخته هدية في عيد ميلادها، الأم الذكيه تقول لإبنها :انزل واشتري لها الهدية التي تناسبها لأنك أنت تعرف ما تحتاج إليه أختك، بهدا يتعود الولد عندما يكبر ويتزوج كيف يقدر زوجته ويقدم لها الهدية المناسبة لأنه تربى على ذلك بدل من أن يقول لها :خذي الفلوس واشتري لنفسك على حسب مزاجك ..
لازم الأم تعود ابنها منذ الصغر على كيفية اختيار الهدية التي تناسب ذوق من تقدم إليه، وطريقة تقديمها، فقد تكون الهدية بسيطة لكن طريقة تقديمها بالكلام الحلو والمشاعر الجميلة والرقي، يضفي عليها سعادة لا تعادلها سعادة ..

(٤) “الكآبة “

الخصام والعقاب بالهجر والكآبة والاعتراض على فعل شيء خطأً بقصد أو بدون قصد، مثل (الولد نسي يعمل الواجب ..الولد حصل على درجة منخفضة في الامتحان ..)أمر مرفوض في التربية .

“تحذير شديد اللهجة”

لو الولد اعتاد بأن الخصام هو المؤشر الطبيعي للتعبير عن الغضب، ممكن الولد عندما يكبر ويتزوج يمارس الصمت العقابي مع زوجته بالخصام الذي قد يمتد لأسبوع أو اكثر (مكشر ومبوز ولا عايز يتكلم ولا عايز يصالح ولا عايز يسامح ) لأنه لم يتعلم ثقافة الاعتذار ويعتبر الاعتذار عيب وضعف وليس من شيمة الرجال، لأنه نشأ في وسط رأي فيه هذا السلوك مع الأب والأم ..

عودي ابنك منذ الصغر على أنه لو جرح مشاعر شخص ما أو تسبب له في أذى عن قصد أو بدون قصد، يكون لدية الجرأة والشجاعة على الاعتذار، وأن الاعتذار لا يقلل من كرامته،
حتى عندما يتزوج لا يجد صعوبة في أن يعتذر لزوجته إذا صدر منه أذى لمشاعرها، فيبادر على الفور بمصالحتها ويطيب خاطرها ( الكلمة الطيبة تلين الحديد )…

(٥) “إغفال النظافة الشخصية”

من أخطاء التربية أيضًا، أن الأم تعود ابنها على الإهمال في تنظيف مكانه وترتيب سريره وأدواته ومكتبه وتكون حجرته مليئة بالصراصير والحشرات من زحمة الكتب المتناثرة هنا وهناك وأيضا الورق والكراكيب ..ويتكل على أخته أو الشغالة حتى تأتي لتنظف ..

يجب على الأم أن تغرس في ابنها منذ الصغر أن يكون مسؤول عن نظافته الشخصية أيضًا ….
فمثلا لا يخلع شرابه فتنبعث من رجليه رائحة كريهة وهو جالس مع الضيوف … أو يهمل في غسيل أسنانه..أو غسيل اليدين قبل الأكل وبعده … أو يستخدم فوطة لا تخصه ..أو يستخدم فوطة الوجه لتنشيف اليدين والعكس ..
وللأسف الشديد نلاحظ بعض الزوجات يتضررن من أزواجهن بسبب إهمالهم في النظافة الشخصية لأنهم تعودوا على ذلك منذ الصغر

(٦) “الإهانة والمقارنة ”
عودي ابنك على الثقة بالنفس، لا وألف لا للمقارنة بين أقرانه أو إخوته فكل إنسان وهبه الله قدرات ومهارات معينة ليس من الضروري أن تكون موجودة في غيره ….والأم الشاطرة تكتشف الشيء الذي يحبه الولد منذ صغره وتنمي فيه ذلك، (حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب ) ..

لا للتجريح ..لا للإحراج أمام نفسه وأمام غيره، لا للإهانة..لا للضرب، حتى لا يحس الولد بالقلة والدونية وضعف الشخصية..
لا للتأنيب ..لا للتعنيف وخاصة أمام أخوته أو المقربين له وغير المقربين ..
النصيحة لا تكون في مجمع من الناس لأن النصيحة أمام الناس إهانة…

الدونية وعدم الاستحقاق الذاتي مع الأولاد بالذات يجعل منهم أشباه رجال فلا يستطيعون التعامل مع من أفضل منهم لأنهم شاعرين بالقلة فيبدأ الواحد منهم يسقط علي الآخر أو (من يحس بأنه أفضل منه ) حتي يعوض نقصه ويشعر بأنه كبير في نظر نفسه ..
وهذا الإسقاط يعيش معه ويلازمه عندما ويتزوج فيبدأ يسقط على زوجته ويعنفها ليجعلها صغيرة وهو يبقى كبير ليعوض نقصه وشعوره بالدونية .

شجعوا أولادكم واغمرهم بحب غير مشروط، بمعنى : لا يكون سبب حبكم لهم هو تقوهم في الدراسة أو تميزهم في شيء ما فحسب، بل نقول لأولادنا : نحن نحبكم كما أنتم، لأنكم أنتم أغلى ماعندنا وفلذات أكبادنا ..
وفي النهاية ..

بناء البشر خير من بناء الحجر ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى