كثير من الفتيات اللآتي أصبحن أمهات، يجدن صعوبة شديدة في تربية بناتهن بأسلوب صحيح يجعل من البنت أنثى رقيقة لها مشاعر وأحاسيس
وقد يكون هذا راجع إلى وجود أخطاء وشروخ في جدار التربية التي تربين عليها الأمهات وهن صغيرات .
هذه الأخطاء غالبًا تصدر من الوالدين “بدون قصد ” وبحسن نية بسبب خوفهم الشديد على مستقبل أولادهم فيقسون عليهم ويراقبونهم في كل تصرفاتهم وكأنهم لعب في أيديهم، يحركونها بالريموت، ويتعاملون معهم بالرفض في كل ما يجربونه أو يحاولون معرفته ( لا تلعب.. لاتخرج.. لا تصاحب فلان ..لا ..لا ..لا ..)
ودائما محاصرين تصرفاتهم بالنفي والتعنيف
وقد يكون هذا السلوك من الوالدين في التربية بسبب عدم معرفة أو جهل بالتربية السليمة وعدم التحضر ، فتجدهم يسرفون في مقارنة أولادهم بأقرانهم وأقربائهم بسبب غيرتهم الشديدة واستعجالهم في أن يطلبوا من أولادهم أن يمخروا عباب السماء، ضاربين عرض الحائط برغباتهم وهوايتهم،كمن يطلب من السمكة أن تتسلق شجرة!!!..
غير مدكين أيضا أن أساليب الضغط والقسوة وسلب الإرادة تترك لهم جروحا عميقة بداخلهم وتضعف من شخصيتهم وتشعرهم بالدونية والقلة، فيصيرون معدومي الإرادة “لا حول لهم ولا قوة” كمثل إسفنجة تمتص بدون تمييز وبضغطة واحدة تخرج ما امتصصته دون وعي أو إدراك ..
وبسبب خطورة هذا الموضوع، سنتحدث عن قواعد أساسية في تربية البنات، يجب أن تنتبه إليها الأم حتى تتجنب العواقب الوخيمة والنتائج الأليمة وخاصة بعد أن تصبح ابنتها “أم” لها أطفال مسؤولة عن تربيتهم أمام الله
ومن أهم هذه القواعد:
(١) “الاحترام والثقة بالنفس”
على الأم أن تشعر ابنتها في تعاملها معها بأنها أنثى جديرة بالتقدير ، لها مشاعر تحترم فتغمرها بالحب والحنان حتى لا تشحذه من الخارج ..تعاملها على طبيعتها كأنثى رقيقة وتعطيها ثقة في نفسها، ولا تفرقين بينها وبين أخواتها، حتى لا تشعر بالقلة والدونية . فمثلًا إذا كانت قصيرة لا تناديها وتقولين لها يا نصة وإن كانت تخينة لا تقولين لها ياشوال البطاطس وإن كان لونها أسمر قليلا عن أخواتها لا تقولين لها يا سودة ..لأن كل هذا يترسب في العقل اللاواعي وتكون بمثابة معتقدات أساسية core beliefs تلازمها أينما كانت وتتأذى بها حتى وهي في بيت الزوجية
عوديها على التعبير عن نفسها، فلا تقيمين بينك وبينها سدود وحواجز حتى تصارحك وتفضفض عما بداخلها لأن الأم يجب أن تكون أقرب إلى ابنتها من حبل الوريد؛ لأن هنآك أشياء لا تستطيع أن تقولها لأبيها، فكوني لها صديقة وأم وأخت حتى لا تبيح بأسرارها لمن لا يستحق ..
وعندما تتحدث البنت مع أمها وتفضفض وتتحاور معها، يجب على الأم أن تنتهز هذا الحوار لتجعله فرصة سانحة لتنمي عند ابنتها مبدأ الاعتماد على النفس حتى تتعلم كيف تحل بنفسها المشكلات الصغيرة التي تواجهها، حتى عندما تكبر وتتزوج وتحدث خلافات بينها وبين زوجها لاتكون اتكالية وتجري بسرعة إلى أمها لتشكو لها من زوجها على كل كبيرة وصغيرة وتكون تابعة لأمها ..وللأسف الشديد، بعض الأمهات تعشن هذا الدور وتصبحن مبسوطات بهذا وتشجعن بناتهن على هذا !
“الابتعاد عن النقد الدائم ”
من الأخطاء التي تقع فيها الأم هو النقد المستمر المصحوب بالتوبيخ لإبنتها (في لبسها .. في شعرها ..في أكلها..في خروجها ..في دخولها ..في مكياجها ….) وتمطر عليها وابل من الأوامر والتجريح .
ولكن !
الأم الشاطرة لو شعرت بوجود خطأ ما، تقوم بتوجيهها وتنتقي ألفاظ مريحة توصل بها رسالتها مثل ( لون الفستان جميل لكن أنا شايفة اللون الأسود أجمل) هذه الكلمات مريحة للنفس بدل من الصوت العالي والتعنيف والتأنيب.
احترمي رأيها..
للأسف!! بعض الأمهات يجبرن بناتهن على تغيير اللبس وهن خارجات ويرجعهن ولو حتى على باب الشقة، لكي تلبس البنت اللبس الذي على مزاج الأم ..
“أقول للأم ” : طالما اللبس يليق وفي حدود الحشمة والأدب فلا داعي لكل هذا القلق بسبب تافه مثل اختيار الألوان على سبيل المثال، لكن لو فيه خروج عن النص، هنا الأم لها الحق أن تتدخل بالتوجيه والإرشاد والنصح .
إذا شعرت البنت بالدونية وعدم الاستحقاق الذاتي، سيلازمها هذا الشعور حتى عندما تتزوج، ممكن زوجها يعتدي عليها بالضرب ولا يكن أمامها إلا البكاء أو تسرع لتشكو لأمها، وقد يكون رد أمها سلبي مثل ( اتحملي..أكيد إنتي الغلطانة ..الست لازم تتحمل ..) ولو تكرر هذا الرد من أمها، لا تأتي البنت إليها لتشكو لها بل تكتم في نفسها وتكون مضغوطة نفسيا ويصل بها الأمر إلى حد الانتحار وأشياء أخري يصعب التعبير عنها ..
شعور البنت بالقلة وعدم الاستحقاق الذاتي يجعلها تخجل تقول لأمها أو أبيها عن أشياء خطيرة مثل (زوجي يتعاطى ..زوجي له علاقات نسائية .. ) وتكون النتيجة مأساوية كما ذكرنا، ويصل بها إلى حد الانحراف أو يصنع منها شخصية هيستيرية borderline
هذه الشخصية الهيستيرية يكون سببها كما ذكرنا، الإهمال العاطفي في الصغر والافتقار إلى الحب والحنان من والديها لأن البنت كل ما تتمناه أنها تحس بحب أهلها ولكن عندما لاتجده تبحث عنه من الخارج ..
لذا
أيتها ألأم
اغرسي في بنتك منذ الصغر الاحترام والاعتزاز والثقة بالنفس وأنها لا تسمح لأحد بإيذائها وأن تقدر ذاتها وتعبر عن مشاعرها بأريحية
(٣) لا تعودي ابنتك على النكد والغم والخصام
فليس من المنطق، عندما تأتي لمصالحتك أكثر من مرة ترفضين ذلك وتضربين بها عرض الحائط مع تكشيرتك المستفذة ..
هل تعلمين أن ابنتك ستأخذ هذه المعتقدات الراسخة ال core beliefs أو ال mind set وتنفذها حرفيا في بيت الزوجية
فعندما يريد زوجها مصالحتها ويقول لها ( فيه ايه؟ ..مكشرة ليه ؟ جرى ايه ؟ ) لا ترد عليه وإن ردت يكون ردها ( سيبني شوية لما أرتاح ارد .. ) ويكون كل ماحدث على حاجات تافهة.
والحقيقة أن البنت عندها عذرها، لأنها لم تولد بهذا، لكن هي لاحظت عند حدوث سوء تفاهم بين الأم والأب أو حدث خلاف بينهما، لاحظت أنهما إذا تصالحا يوما يتخاصمان بالأشهر، ولاحظت أيضا أن ألأم عندما تتعامل معها تكون دائمة الخصام لها ودائمة الهجر ودائمة البعد ودائمة العقاب فهي شربت من هذا كله وأصبح في دمها، وبالتالي عندما تصبح زوجة لها أطفال، ستتعامل مع أولادها بنفس الأسلوب لأنها لم تتعلم بأنها كيف “تسامح وتتسامح ” وكل هذا يولد عندها نوع من الكآبة
(٤) “البشاشة و المرح في حدود المألوف ”
عودي ابنتك على أن تكون بشوشة ومرحة في حدود المألوف لأن التربية القاسية المحافظة جدا، تؤثر بالسلب على شخصية البنت وتصبح معقدة .
التعامل معها يكون بحكمة (لا إفراط ولا تفريط) فمثلا لا داعي من هذه الكلمات ( مافيش خروج ..مافيش رحلات ..كل حاجة تطلبها تقابل بالرفض …مراقبة في كل كبيرة وصغيرة بطريقة مستفذة….) كل هذه الأفعال تتعب البنت وتؤذيها ..
ساعديها في أن تكون فرفوشة ..مبتسمة ..محبة للحياة ..تمارس أنوثتها بشكل طبيعي طالما في حدود الأدب .
فمثلا عندما تجدينها أمام المرآة لا تمطري عليها وابل من التوبيخ وتطلبي منها غسيل الأطباق بدلا من الوقوف أمام المرآة !!.
واعلمي جيداً أنها عندما تتزوج ستجد صعوبة في التعامل مع زوجها لأن الزوج تزوج ليس بهدف أن تكون عنده زوجة تعلمه فضيلة الاحتمال والصبر، كلا ! بل تزوج ليجد وجه صبوح بشوش مبتسم يملأ عليه حياته ..
والجدير بالذكر .. فضيلة الأدب لا تتعارض مع الابتسامة الرقيقة المؤدبة (مؤدبة ومكشرة هذا شيء غير مرغوب فيه إطلاقاً)
لا تعملين cut في مشاعر ابنتك …تعاملي معها كأنها أختك الصغيرة، كوني صديقة لها، تحكي أسرارها وهي مطمئنة وشاعرة بالأمان مع أمها ..بدل أن تحكي لأحد لا يحفظ أسرارها.
(٥) عودي ابنتك على تحمل المسؤولية بالتدريج”
بمعني لا تجرعيها المسوولية دفعة واحدة لئلا تختنق.
توضيح أكثر
دربي ابنتك منذ الصغر على تحمل المسؤولية ( تتعلم تمسح ..تكنس ..تطبخ ….) تدخل المطبخ وتشجعيها
لكن !
من أول مرة لو حرقت البطاطس أو خافت من طشة الزيت ..أو حرقت الكيكة ..) لا تعنفيها وتصرخي في وجهها، فالذي لا يخطأ، لا يتعلم، شجعيها واجعليها تحاول وتحاول حتى تتعلم واغرسي فيها بأن المرأة في الآخر “ست بيت” حتى لو أصبحت وزيرة
(٦) “دربي ابنتك على أن يكون عندها ذكاء عاطفي”
حتى تكسب قلب زوجها وقلب أهله وعائلته الجديدة التي ستتعامل معها .. اخبريها بأنها ليست داخلة في معركة مع أهل زوجها ..حاولي تعلميها بأن يكون عندها مهارة “المكر الأنثوي ” أي يكون عندها قدر كاف من الحيل والأفكار المبتكرة للتحكم في مشاعرها لتكسب الآخرين لأنها داخلة على مجتمع قد يكون مختلف عنها في بعض الأمور، فالبذكاء العاطفي تستطيع أن تتواءم وتتكيف مع هذا الاختلاف حتى لا يتحول إلى خلاف ..
فمثلا .. لو بدر من حماتها تصرف لم يعجبها، تعدي الأمور (تمرر الأمور قبل أن تمررها ) وقد يكون الأمر تافه لا يستحق حتى التفكير فيه ..
اجعلى الاختلاف للائتلاف لا للخلاف بقدر الإمكان بحيث لا يكون فوق طاقتك “overload “
بل اعملى توازن في العلاقة حتى تدور عجلة الحياة بأمان وبإطار سليم وفي خط مستقيم
وفي النهاية
الحب ..هو المادة الوحيدة التي تذيب كل الرواسب العالقة بشرايين العلاقة الزوجية ليحميها من كولسترول المشاكل والخناقات..
الحب ..مادة حافظة لاستمرار سعادة الحياة الزوجية، وصمام أمان ضد حدوث أية تصادمات
الحب هو الوقود الذي يحرق نفسه ليحرك القاطرة التي تجر وتجذب معها كل ما هو جميل لإسعاد الزوجين مهما كانت التحديات .