
بقلم الباحث د .صالح وهبة
الناس نوعان ، نوع تقابله لأول مرة تتمناها تتكرر مرات ؛
لانهم يتركوا في قلوبنا بصمات بحضورهم الراقي والإطلالات..
ويبثوا فينا طاقة إيجابية تدفعنا للتعرف عليهم لنبني معهم علاقات ورديات
تحس أنهم يمتلكون كاريزما قوية تجذبك نحوهم بقوة مغناطيسية، لا إراديا ..
هولاء معرفتهم بالدنيا ..لا تقول وديعة في بنك ولا كل كنوز الدنيا ..
وناس تقابلهم ويمكن تكون أول مرة وتتمنى تكون أول وآخر مرة ..
ياترى ..ما السبب ؟
(توضيح )
النوع الأول يتمتعون بذكاء عاطفي E Q أو emotional intelligence ..وهذا يختلف عن الذكاء العقلي I Q الخاص بقياس التحصيل والفهم والمقارنة والحفظ والتركيز والانتباه ..
يختلف أيضا عن الذكاء الاجتماعي الذي يعني بعلاقاتك مع الآخرين فقط …
لكن الذكاء العاطفي يعني بعلاقاتك مع نفسك ومع الآخرين أيضا
إذن .. إذا أردنا إعطاء تعريف للذكاء العاطفي نقول :
قدرة الشخص على أن يفهم نفسه ويفهم الآخرين…
بمعنى : عندما يتحكم في مشاعره ويروضها ، إذا نجح في ذلك ، ونجح في تعامله مع الآخرين ، وتعامله مع الآخرين يعني بتعامله مع مشاعرهم ويروضها ويتحكم فيها ويجذبهم لصالحه ..
هذا الشخص يتصف بالذكاء العاطفي
ويمكن اختصار التعريف في الجملة الآتية :
الذكاء العاطفي هو فن كسب القلوب ومفتاح الوصول لأعماق البشر
والجدير بالذكر ..الشخص المعاق نفسيا ( الغير متصالح مع نفسه ) لم ولن يستطيع التعامل مع الناس ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه
ابدا بذاتك واصلح نفسك وبعدها تستطيع التعامل مع البشر
وبما أن الذكاء العاطفي تكمن أهميته في تدريب الشخص على فهم نفسه وبالتالي يستطيع التعامل مع الوسط المحيط به ،
وبما أن الذكاء العاطفي كالماء والهواء لا غني عنهما فمثلًا :
لوتقدمت لوظيفة ما يمكنك أن تجذب الشخص الذي أمامك وتجذبه لصالحك من أول “مقابلة”..
وبما أن الذكاء العاطفي يعلمك فن التعامل مع زوجك ..زوجتك ..حماتك ..أولادك ..أحفادك …
إذن وجب علينا تقديم وجبة دسمة من المهارات التي تميز الشخص الذي يتمتع بذكاء عاطفي ومن خلالها نتعلم ونستفيد ونطبقها على أنفسنا حتى ننعم بذكاء عاطفي ..
لأن الذكاء العاطفي مكتسب وليس فيه جانب وراثي ..
دعنا نتعرف على هذه المهارات من خلال ثلاثة محاور أساسية وهي :القوة ……دفء العواطف .. الحضور. .
أولًا.. القوة …
كي يوثر الشخص الكاريزماتي في الناس المحيطة به ويترك حضور متميز لابد أن يتمتع بالقوة ..والقوة لا تعني السلطة ..
القوة تتلخص في (لغة الجسد ..المظهر )
(١)لغة الجسد ..
هل تعلم من أول 30 ثانية ومن أول اطلالة..الناس تقيمك وتحكم عليك ، وينطبع في هذا الحكم في أدمغتهم ومن المستحيل يتغير ؟!
لذا يجب أن تعطي انطباع للناس إنك واثق من نفسك وفاهم مشاعرك وهذا يتحقق بالآتي :
قامتك منتصبة .. رأسك في الوضع الأعلى الطبيعي ..عيناك في مستوى الناس التي تحادثهم أو المحيطين بك ..أكتافك مستوية .. الأيدي لا تخرج عن نطاق ذراعيك
بمعنى :
لا تلوح بهما يمينا وشمالا وأنت تتحدث لدرجة تجعل الذي أمامك يرتبك وينزعج ويتشتت ..
الذراعين لا تكون مشبكة ببعض عندما تتحدث لأن الأذرع المفتوحة دعوة invitation للشخص الذي أمامك أن يسمعك وينصت إليك
(٢) المظهر ..
لا تفتكر أن مظهرك في قيمة اللبس ..فقد تكون الساعة ماركة والنضارة ماركة والحذاء ماركة والسيارة أحدث موديل والإنسان لا شيء ..
اللبس يكون بسيط.. متناسق .. متناغم في الألوان ..(شديد البساطة وشديد الأناقة )
تعجبني هذه المقولة في عالم الإتيكيت(the less the more )
(ما بداخل الهدوم هو الذي يعطي الهدوم قيمة )
فلا يصح واحدة تخينة تلبس بنطلون محزق عشان خاطر عيون الموضة (الجري ورا الموضة مصيبة سودا )
ثانيا ..الابتسامة ..الإصغاء .. المدح والإطراء
(١) الابتسامة ..
ما أجملها .. حرارتها تذيب جبال ثلجية من الخوف وعدم الاطمئنان ..
لذا يطلقون عليها (ice breaker ) ..
الابتسامة دعوة للتواصل communication بدون كلام
(٢) الإصغاء
اسمع اكثر مما تتكلم .. انصت للمتكلم حتى تعطي لعقلك فرصة يتنفس فيها ليحلل الكلام الذي تسمعه وتكون جاهر للرد المقنع عند اللزوم.. فللكلام أوان وللصمت أوان والذكي الذي يحسن التوقيت …
اعرف كل ماتقول ولا تقول كل ماتعرف .. لا تحكي كل شيء عن نفسك ..دع أعمالك تتحدث عنك .. ولا تكن متاحا طول الوقت ..
لا تقاطع أحد وتقفز وسط الكلام ..اترك الشخص الذي أمامك يتحدث وتكلم إذا لزم الأمر …
المدح والإطراء …
خاطب الناس وامدحهم فيما يحبونه ..فمنهم من يحب المدح في لبسه ..في لون سيارته. ..في إنجازاته .في علمه وشهاداته
على حسب مزاج الشخص الذي أمامك ، صف الدواء وامدحه حسب ما يحب …
وبهذا تكسبهم إلى صفك وتتوغل في أعماق مشاعرهم لأنك أتقنت العزف على أوتارهم
ثالثا ..الحضور..
ويتلخص في (التواصل البصري ..التليفون ..نبرة الصوت )
(١) التواصل البصري ( eye contact)
عندما تدخل مكان به أناس تقابلهم لأول مرة في حفلة على سبيل المثال ..أحذر أن تكون خجولا ورأسك لأسفل حتي لا تتأذي لغة الجسد (body language )
لا بد أن تكون واثقًا من نفسك وأن وجودك وحضورك يملأ أي مكان تدخل فيه..
وعندما تدخل رأسك مستوية وعيناك تنظر للناس بكل ثقة واعمل ما يسمى scaling للمكان ..
(٣) التليفون ..
احترم وجود الناس ..
لا تمسك التليفون وتقلب فيي البوستات to and fro. (رايح ..جاي ) وتعمل scrolling .. وتقول للمتحدث (قول انا سامعك )وأنت في عالم آخر..
لو داخل مكان ورنت عليك مكالمة ضايقتك ، لا تجعلها تتملك عليك وتؤثر في نفسيتك وتشحنك بطاقة سلبية
بل …(خذ نفس عميق واطردها من دماغك )
لأنك داخل مكان ، لابد أن تترك فيه بصمة .
(٤)نبرة الصوت
الصوت العالي دليل الضعف .. لابد. أن تكون نبرة الصوت متوسطة ..
اعلم جيدا :الأواني الفارغة هي التي تحدث ضجة..فلا يكون علو صوتك لغرض كسب القعدة
علو صوتك يدل على أنك غير متأكد من صحة ماتقول ..
إما لا تقبل الطرف الآخر ولا تقبل الاختلاف والنقد فتعمل إسقاط على هاتين النقطتين …
إما إنك محروم من الكلام ووجدت محفل أو منبر تتكلم فيه
نبرة الصوت الهادئة دعوة أن الناس تسمعك وتفهمك وهذه هي المصداقية
واخيرا
السعادة ليست في غياب المشاكل ولكن في القدرة على التعامل معها
ولكي نتعامل معها لا بد أن نحسن التعامل مع أنفسنا أولآ…حتى نستطيع التعامل مع الآخرين..
الخلاصة ..
ما بين كسب القلوب وكسر القلوب خيط رفيع وهو الأسلوب،
فإن أتقنتها ، ستكسب مشاعر الآخرين لصالحك وبذلك تكون نجحت بامتياز مع مرتبة الشرف في جامعة الذكاء العاطفي ……