قصة قصيرة
على حزين.. يكتب
ساعة الحائط كانت تشير إلى السابعة صباحاً تقريباً, وكانت السماء ملبدة بالغيوم
تفقدت العصفور الذي كان يقف كل يوم فوق نافذتي المشرعة ليوقظني كل صباح, فلم أجده, ولم أره اليوم, فلم أعبئ كثيراً بهذا الأمر, كما أني لم أرغب في أن أخوض معارك ذهنية عقيمة, أو أن أستهلك فيها ” فلكيسات” عقلي في افتراضاتٍ أو تحليلات لا تُجدي نفعاً, وذلك من نوعية, ربما كانت سهرة حمراء, أو لعله ذهب في جولة في الحقول البعيدة, أو ربما يكون قد مات, فالموت علينا حق, أو ربما كانت” ناموسيته كحلي, أو ربما جاء ولم أره, ولم أشعر به
جلست أمام المرآة, تذكرت ما سأقوم به اليوم, وما الذي ينبغي ويتحتم عليَّ أن أقوم بفعله بعدما أخرج من البيت, وضعت في رأسي خطة صغيرة, وبعض السناريوهات المتوقعة
أولاً سأتوجه إلى محل عملي قطعاً, وممكن في الطريق, وأنا ماشي أتناول وجبة الإفطار, طبق فول بالزيت الحار, وثلاثة أرغفة, أو ممكن أغير رأيي وأشتري سندويتشان فلافل بالطحينة, فأنا أحب ذلك كثيراً, وهذا فطوري المفضل
ارتديت زي الخروج كالمعتاد ,ألقيت نظرة عابرة على الفضاء البعيد المتسع المترامي الأطراف, تفقدت أشيائي المهملة المبعثرة في حجرتي تلك التي شاركتني جل حياتي تقريباً, وشهدت معي أجمل سنين عمري ….
لملمت أشيائي المبعثرة والتي سآخذها معي, والتي قطعاً ستصاحبني في رحلتي اليومية, ولا أستطيع أن أستغني عنها سائر اليوم اطلاقاً, بتاتاً البتة
هذه هي حافظتي , وجدتها مختبئة في درج المكتب, أنا لا أدري كيف دخلت إلى الدرج, لم أرد أن أشغل ذهني, ولا أرهقه كثيراً هذا الصباح, هذه أول الأشياء وأهمها, جلد طبيعي , سمراء وبها جيوب كثيرة, عشرة تقريباً, اشتريتها منذ بضعة أشهر من بائع الحافظات الجالس تحت الكبرى الجديد الذي أُنشئ حديثاً ولا أحد يمشي عليه إلا نادراً عند المزلقان البحري في مدخل البلد
أفتحها, أفتش فيها, هذه صورة بطاقة شخصية, والفيزا كارت وبطاقة التموين, والبطاقة الشخصية, وورقة بها رقم حسابي البنكي, ومبلغ من المال زهيد “220 جنيه, مصري لا غير”.. قلت المحفظة أول شيء, أعذروني لأن ذاكرتي ضعيفة, هي لم تكن كذلك في الماضي حتما ولكن عوامل الزمن, وكبر السن, وهموم الحياة أرهقتها كثيراً, لا بأس
تذكرت, من بضع سنين, كنت قد اقترضت مبلغاً من المال لضائقة وأزمة مالية مرت والحمد لله رب العالمين قمت بسداد ما عليَّ, ولكن المشكلة تكمن في حسابي البنكي الذي اكتشفت أنه لم يغلق بعد, وإلى الأن لم يزل مفتوحاً, عندما ذهبت لاقترض مبلغاً أخر اكتشفت هذا
ولما طلبت منهم أن يغلقوه طلبوا مني سداد مبلغ وقدره, 300 جنيه مصري حتى يتم غلقه فأنا الأن منتظر القبض حتى أقوم بغلق حسابي البنكي, وهذه ورقة بها رقم الحساب, وورقة أخري بها نتيجة ابني” السيد” في أولى اعدادي أزهر بمعهد الساحل, أنا معي أربعةً من الاولاد ثلاثة ذكور, وبنت واحدة
مات واحداً وبقي ثلاثة, ولدان وبنت, فارس الابن الأكبر, وخديجة نمرة اثنين, والسيد هذا نمرة أربعة, وأما يحيي الله يرحمه بقى, على فكرة, أنا كل أولادي أزهريون أباً عن جد,
وأمرٌ أخر أريدكم أن تعرفوه, أنا وهبتهم لله من قبل أن يأتوا إلى الحياة, وهم في بطن أمهم وقبل ان أعرف هل هم ذكور, أم إناث, وذلك اقتداءً بأم مريم عليها السلام “حنة بنت عمران” حينما وهبت ما في بطنها لله, أنا فعلت مثل ذلك, ونذرتهم كلهم لله جميعاً, ثم أدخلتهم الأزهر الشريف حتى يحفظوا كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم
فارس خلص كليته, تخرَّج من كلية أصول الدين والدعوة, قسم الحديث وعلومه, بتقدير جيد جداً, والحمد لله رب العالمين, وهو الأن ينتظر أن يقضي فترة الجيش ليشق طريقه في الحياة ربنا يوفقه يا رب, وخديجة نجحت في الثانوية الأزهرية وطلعت من المتفوقين والحمد لله, وستلتحق بالجامعة العام القادم, إن شاء الله رب العالمين
أما الشيخ يحيى أقصد الشيخ سيد أصغرهم الذي أعطيناه اسم أخيه السابق حتى لا ينقطع ذكراه في البيت فقد خيب رجاء الكل هذا العام وأخذ ملاحق ثلاثة, والحمد لله امتحنهم ونحج وسينتقل إلى المرحلة الثانية إعدادي إن شاء الله تعالى السنة القادمة, معذرةً, أقحمتكم في حياتي, أقصد صدعتكم بحياتي الخاصة,.
ماذا أريد, لقد نسيت الصلاة, يا الله, كيف نسيت ذلك, سأتوضأ وأصلي الصبح قضاءً, ثم أخرج بعد ذلك , فلم يزل في الوقت بقية
جميل أن يصلى المرء ما عليه من أوقات, فالصلاة راحة وطمأنينة, وصلة بين العبد وربه,
هذا هو الموبايل, التليفون , وهذا منديلي, كنت سأنسى المفاتيح, وعلبة السجائر, والقداحة, علبة سجائري فارغة, سأشتري علبة أخرى غيرها في الطريق, فمنذ أن ارتفع ثمنها وأنا أشرب ماركات عالمية رخيصة, وربما سأضع الفيزا كرت في ماكينة ATM فربما أجد نقوداً قد نزلت عليها من إحدى الصحف, أو المجلات التي أرسل إليها أعمالي فتنشرها
عصفور ونافذة
ها هو عصفوري الصغير قد جاء, يقترب من النافذة, ومعه عصفورة جميلة, ربما كان هذا هو السبب, وربما كان شيءٍ أخر, لا أدري
ها هو يقف على شجرة التوت التي تطل على النافذة, يطير في الفضاء وهو يزقزق, ويغني, يضرب بجناحيه, ويزقزق وكأنه يعتذر لي عن سبب تأخيره, ومجيئه هذا الصباح ليوقظني,
يرقبني عن كثب حتى أفرغ من شئوني, وكأنه يستحثني على عدم التأخير, فهو يعلم أني رجل كسول جداً, ولا أحب الاستيقاظ مبكراً
أخذت أمشط شعري, وأضبط ثيابي, وأنا أنظر في المرأة, لأكتشف شيئا غريباً, تجاعيد كثيرة ظهرت في وجهي, وقد غزى الشيب رأسي, لكن ماذا سأقول, الكبر لا يُخبأ, ولا يدارى, والعمر تسرب مني فجأة, فأنا اقتربت على مشارف الستين, وقريباً سأحال على المعاش, ربنا يعطينا ويعطيكم طولة العمر, على العموم هذا شيء جيد حتى أتفرغ لمشاريعي الأدبية.
“بالأمس أحد الزملاء الأفاضل بعد خروجه على المعاش مات, وقع الخبر عليَّ كالصاعقة عندما وجدت صورته عبر الفيس بك, ارتعشت, وكاد التليفون ان يسقط من يدي من هول الصدمة, فهو كان بصحة جيدة, وكان لا يعاني من أي مرض, ولم يشتكي, فضلاً على أنه لا يدخن, ومع ذلك مات, سبحان الله, إنا لله وإنا إليه راجعون, من التراب وإلى التراب نعود, هكذا هي الحياة نأتي إليها دون اختيار منا ونخرج منها كذلك, وما بين الموت والحياة علينا أن نختار..؟؟!!!
“نمضي وتمضي بنا السنون على جناح الفناء, تطوينا المَنون, والموت ينتظر القادمين, وأنا هنا أنتظر الرحيل, وحيداً, أنتظر موكب السائرين, حتى أسير مع ركب السائرين, ونحن مع الأموات نمضي, والكل تطويه السنون فما من ذكري للغابرين, وأنا أجتر الذكريات في الدرب الطويل, ضاعت مني أحلامي, والأمنيات الكثيرة, لم يُحقق منها إلا القليل “
ها هو العصفور يطير في الفضاء وهو يزقزق, ويغني, خلف عصفورته الجميلة, ربما ملت الانتظار, وربما تريد أن تأخذه إلى مكان أخر أجمل, وربما لاحظت اهتمامه بي فغارت عليه, ربما كان هذا هو السبب, أو ربما كان شيئاً أخر, لا أدريه , ابتسمت له , وتمتمت في نفسي, وأنا أكمل ارتداء حذائي,
لا بأس يا صديقي العزيز, فأنا أعذرك …
نظرت في ساعة الحائط كانت تشير للسابعة والنصف تقريباً, وباقي على ميعاد العمل ساعة ونصف تقريباً, أسرعت في وضع الماء والطعام على الشرفة حتى إذا ما عاد صديقي الجميل مع صديقته, التي اختارته, أو اختارها لا فرق, ليجدا ما يأكلانه ويشربانه, ….
أنظر نظرة أخيرة في المرآة, ثم جلست أتذكر ما سأفعله عند الخروج, وما عساي أن آخذه معي, ربما أكون قد نسيت شيئاً ما, عُدتُ إلى المرآة أنظر فيها من جديد, قبل أن أخرج
ها هو صديقي العصفوري يأتي مرة أخرى, ليقف على النافذة هو وحبيبته, يشربان, ويأكلان الطعام, أبتسم لهما, وقد ودعتهما, وأنا أغلق الباب خلفي, لألقي بنفسي في نهر الشارع, وفي الطريق تذكرت بأن اليوم عطلة رسمية بمناسبة ال….,