عبد الرزاق بوكبة مابين المرض وعلو الهمة .
عائشة عمي.. تكتب
كنت قد تحدثت سابقاً عن سيرة الكاتب والمنشط والناشط الثقافي المثقف الأديب ، القاص ، المبادر عبد الرزاق بوكبة ، وها أنا ذي أعود مجددا للكتابة عنه في هذه المساحة المسموحة للحديث والبوح من شاء فليعتبرها قصة بها عبرة ومن شاء فليعتبر ما كتبته مقالا أدبيا ، كل الحرية للقارئ العربي .
الإنسان مبتلى سواء في صحته ، أولاده ، ماله ، أصدقائه ، أهله ، … إلخ ، كل شخص وله امتحانه الخاص في الابتلاء ، وكل إنسان وطريقة تعامله وتصرفه في هذه الحالات .
ولأن الإنسان غير مسير مخير ، لك الأرض ، لك الرزق ، لك ماهو مسخر لخدمتك في هذا الكون ، لك ماهو متاح ومتوفر من النصائح والارشادات والدليل سواء كان قرآن ، أحاديث النبوية ، قصص عن أثر الصالحين ممن سبقونا ، كتب متنوعة ، أمثال شعبية قديمة ، حكمة الكبار وغيرها دون أن يفرض عليك أحد أي شيء بحكم أنك إنسان لك عقل وما يدور في ذهننا من أفكار ليست متشابه مع الكل ، كل إنسان مميز بطريقة فكره حسب قناعته وحسب ما غذى به نفسه من علم ومعارف و أشياء كثيرة وما استخلصه من تجارب الدنيا الكثيرة .
فنجد أن الكل يميل إلى ما أدب نفسه عليه أي ما علمها به ، وهنا نرى الأخلاق وجمالياتها وقبحها ولمن تكون الغلبة ، في السابق كان للأديب قيمة كبيرة ، له احترام خاص بين أهله والوسط الذي يعيش فيه ، وأي مكان يذهب إليه يلقى ترحابا وحسن معاملة ، فكانت معاملة الناس للأديب مختلفة نوعاً ما عن معاملة جميع الناس . كان الأديب أهلا للمشورة وأهلا لإبداء الرأي في قضايا مجتمعية حساسة ولأن الأديب كان إسم على مسمى .
ابتلي هذا الرجل بمرض” أيام عيد الفطر ” بكورونا عافانا الله وإياكم ، ولأنه مريض سكري كان الوضع مربك جداً فدائما أصحاب المرض المزمن يعانون من نقص المناعة ويكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض كثيرة ونحتسب لهم ذلك في ميزان حسناتهم .
الأديب عبد الرزاق بوكبة وهو على سرير المرض أعلن عن مبادرة راقية ومستحسنة إطلاق ” ورشة تكوينية افتراضية ليعلم الشباب والمهتمين بأدب المرض (قصص المرض) ” .”تحت شعار انتصر على المرض بالكتابة” ليفيدهم من خبرته وتجاربه وهذه مبادرة هي وسيلة يعبر الأديب عن شكره لله على سلامته ، ربما يتساؤل البعض هل هناك أدب من هذا النوع!!! ، نلاحظ أن كلمة أدب تسبق الفن الممارس ( أو النوع الأدبي) ، أدب الرحلة ، أدب البيت ، أدب المرض .
لما سمي الأديب أديباً ، ببساطة لأن الأدب الذي يتأدّبُ به الأديبُ من الناس ، وسمي أدبا لأنه يَأدبُ الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح فالأدب قبل أن يكون علما ومحتوى راقي هو أدبُ النفس والدرس ، التهذيب ، الأخلاق . الفن .
ولما سميت الولائم والعزائم مأدبة لأن الوليمة تختلف عن أطعمة الأيام العادية ، فيكون فيها الأحسن والألذ ، ما أشهى وما طاب تشبع منه العين قبل البطن ولهذا سميت المأدبة والأُدْبَةُ . أي تقديم الأحسن للغير ، باعتبار أن القارئ ضيف الكاتب في كتبه ، ونصوصه فمن غير المعقول أن توزع في الولائم أطعمة فاسدة تسمم الضيوف .
هكذا أدب الأديب ، ليس مثل كلام الناس مختلف ، عندما تقرأه تشعر بحلاوة ، بتفرد وتميز ، بأن ما قدمه من محتوى له قيمة كبيرة والغاية من أدب الأديب هو إحداث تغيير إيجابي في المجتمع والعالم ككل ، وليس أن أكتب لمجرد الكتابة وأن أبادر من أجل مبادرة بل الهدف من فكر الأديب وقلمه الإصلاح وتقليص فجوة أو فجوات معينة ، إحداث تغيير ملحوظ وملموس ، زيادة الوعي ، المساهمة في رفع المستوى الثقافي للأفراد ، وأكيد يحدث ويحصل هذا بالقراءة المفيدة والمتنوعة وليس فقط الروايات والشعر ، الأديب هو المصلح والمبادر وله روح المسؤولية وعلى عاتقه واجب مهم
كأن هذا الواجب حبل مشنقة يلف على عنق من يحمل مسؤولية القلم والفكر ، مادام أنك لقبت نفسك أديب أنت موجه للمسائلة ومعرض للنقد ومن جهة أخرى أنت مؤهل للإشادة بك ومدحك و الزيادة من شأنك ، وعندما نقول قدوة فأنت سيتبعك الكثير ، إن كنت هشا بفكرك ، وفكرك لا يعتمد على ضوابط وأدلة ، وغير نزيه ومخلص وهمك فقط المظاهر والزيف ، ستجرف معك أمة وتحط من قيمة مجتمعك
وإن كنت على قدر من المسؤولية ولك قاعدة وأساس متين وعقل ينضج بالجيد والأفضل، وتستشعر مراقبة الله لك قبل مراقبة النقاد لك فأنت ستنقذ أجيالاً وتكون مثالا يحتذى به ، وربما الأديب عبد الرزاق بوكبة استشعر هذا الأمر أكثر بالجلسة المنفردة مع مرضه ، أن رحمة الله موجودة ، وما المرض الحقيقي ليس الذي يضعف الجسد ، باعتبار أن الجسد حاوية الروح ، بل الذي يهلك الإنسان عدم نضوجه . وأن على عاتقه مسؤولية وجب عليه الاستمرار وعدم التخاذل وهكذا هم أصحاب الضمائر الحية والقلوب الطيبة تضحي بوقتها ، جهدها ، صحتها، مالها لترك أثر طيب في المجتمع .
اندهش الجميع بسبب الاصرار وتلك الشعلة التي بداخله التي لاتنطفئ ، لأنه ارتقى لمستوى عالي ، علو الهمة ، وعلو الطموح ، تجدد الأفكار وإن كانت بسيطة فهي مثمرة ، وإيمانه وثقته بنفسه ، عندما يؤمن المرئ أنه يستطيع كسر حجر بيده سيكسره واقعاً ، لأن العقل اقتنع وآمن بحامله ، فالإنسان هو محصلة نواياه وما غذى به نفسه .
وفي قصة عبد الرزاق بوكبة بمرضه الذي يتعافى منه ، أن الإنسان عندما يكون له خيرا لكل من حوله ، ستعود دائرة الخير له ، وهذا الذي شاهدته عن بعد عندما مرض ، أن محبي عبد الرزاق كثر ، رغم اختلاف الآراء ، ولكن المتفق عليه أن الخلاف لا يفسد الود
وإن فعل فإن أحد الطرفين بهما خلل ما، والتوفيق الذي هو فيه ، حسن المعاملة الناس والاحترام المتبادل والتفهم وتقبل الآخر ، وأهم نقطة طاعته بوالدته. في حياتها وبعد مماتها ، وحرصه الدائم أن يذكر محاسنها وفضلها عليه وعلى أسرته الصغيرة ، كانت أمي ، فعلت أمي ، طبخة أمي المفضلة و إخراجها كصدقة ، صندوق أمي العتيق الذي سأحتفظ به وأورثه لبناتي.
تحبيب الجدة لبناته ومامعنى جدة ومامعنى أم وهذا من الأشياء التي حقيقة لم نعد نشاهدها كثيرا ونسمع عنها إلا نادراً ، فهذا بالنسبة لي بر بالوالدة أيضاً ، وتنبيه إلى كل غافل يهمل والديه ، المرض في قصة هذا الرجل يعتبر كجهاز كشف لأدب الإنسان مع الله ، كالجهاز الذي يستعمله الطبيب لكشف إن كان المريض يعاني مرض مستعصي .
هذا بعض ما في جعبتي حول موضوع مرض الأديب الجزائري عبد الرزاق بوكبة في هذه الورقة التأملية .