أدب

راحة محارب

ماهر اللطيف

وقت النشر : 2025/02/07 06:49:51 AM

.

راحة محارب
ماهر اللطيف

أطلقت السلام على كل من اعترض سبيلي وضحكت في وجهه – وإن كان غريبا عني -. توقفت مع هذا هنيهة وبادلت أطراف الحديث مع ذاك برهة من الزمن، وأنا اتجه صوب عملي بعد مغادرتي منزلي مبكرا ذاك الصباح وكنت منتشيا على غير العادة – للأمانة -، ضاحكا ومبتهجا ومرددا لكلمات أغان لم أعلم أني أحفظها …

ومن غرائب هذا اليوم – أو صدفه أو أقداره – أني لم أشعر بالألم بتاتا بعد سنوات وسنوات من الوجع والأنين والبكاء وغيرها، بل إني شعرت بالراحة على جميع الأصعدة وتلذذت بهاء جسدي وحسنه الذي لم أشعر به منذ مدة لوهنه وارتخائه وميله صوب الفناء والنهاية….

المهم ،أني واصلت طريقي بهذه البشاشة وهذا المرح والزهو إلى أن اقتربت كثيرا من مقصدي الذي بات يفصلني عنه هذا الطريق المزفت وبعض الأمتار التي تجعلني أجلس على مكتبي وأجهز نفسي لبداية يوم مهني جديد.

وما هي إلا لحظات حتى شعرت بضيق شديد في التنفس، حرارة مرتفعة جدا تستعمر كامل جسدي مما انجر عنه تعرق وصل إلى حد التبلل، ألم قاتل يصيب أكثر من مكان في داخلي، عدم المقدرة على الوقوف والمشي، “التحنط” والعجز عن الصياح وطلب النجدة والعون – وكان المكان عامرا بالناس من كل الأجناس والفئات العمرية بما أن المنطقة تعج بالإدارات والمؤسسات والشركات وغيرها من أماكن العمل التي يقصدها الناس حينها -، ارتعاش شديد وضبابية في النظر وثقل في السمع….

وفجأة، سقطت أرضا مغميا علي، فاصطدمت بشيء صلب – لا أعلم ما هو وما هي طبيعته – زاد من وجعي حينها وأنا أرتطم بالأرض بقوة وقد اسودت الدنيا في وجهي ولم أعد أفقه شيئا ، بل إني لم أعد موجودا مع الأحياء – وهذا فعلا ما سيحصل -.

لكن الملفت للانتباه هنا أني استفقت لحظات بعدها لأجد نفسي محاطا بمجموعة من الرؤوس المكممة أفواهها والساترة لشعرها من الجنسين تتبادل أطراف حديث لم أفهمه حقيقة، وشعرت بأحدهم يضغط بقوة على قلبي بيديه ويتراجع مرارا وتكرارا قبل أن يرجني بآلة فأراني أهتز عاليا وأسقط أكثر من مرة ، وأحسست بلدغات متعددة في أكثر من مكان في جسدي – أظنها إبر حقن طبية -….

وفي الأثناء، لا أعلم لماذا عادت بي الذاكرة إلى آخر حديث دار بيني وبين طبيبي – وكان منذ ستة شهور تقريبا – حين وضع يده برقة على كتفي وهو يقول بنبرة حزينة وواثقة من نفسها وثابة في النطق وإبلاغ المعلومة :

_… لم يعد الأمر بيد المخلوق أستاذ علي للأسف ، فقد أتممنا العلاج وجميع المحاولات الممكنة، لكن السرطان تغلغل في كامل الجسد وبات مستحيل السيطرة عليه، بل إنه غزاه غزوا كاملا وأنهكه ونال منه

– (مقاطعا وقد شعرت بالنهاية وارتخاء الجسد واستسلامه) هل يعني هذا أني سأموت قريبا؟

– (مهدأ من روعي) الأعمار بيد الله أستاذ، أذكر الله واستغفره، اشكره واحمده على كل شيء…..

و مازلت كذلك بين “الأمس واليوم” حتى انتابني شعور بالراحة والسكينة، الهدوء والسلام، الفراغ والانعدام…، فلم أعد أشعر بشيء غير هذا الظلام المطبق الذي يحيط بي من كل جانب.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى