كتاب ومقالات

حنان عبد الكريم تكتب.. متى نصر الله؟

وقت النشر : 2024/01/21 05:41:47 PM

حنان عبد الكريم تكتب.. متى نصر الله؟

الدكتورة حنان عبد الكريم.. تكتب

هذا السؤال يطرحه على نفسه كل من عرضت له مظلمة، بغرض الاستبطاء، وقد يسخر الظالم من المظلوم؛ لأنه يراه يدعوا ولا يستجاب لدعائه، وقد ييأس المظلوم ويترك الدعاء لأنه لم ير أثر له؛ لذا وجب توضيح هذا الأمر في السطور التالية:
حري بالمسلم أن يتعبد بالدعاء والتضرع إلى الله في كل وقت وحين، ولا يشغله وقت الإجابة؛ فالله حكيم في تصرفاته ولا نعجل في الدعاء لأن الاستعجال من الآفات التي تمنع الإجابة، ويعد تطاولا على إرادة الحكيم جل وعلا.

ولا بد للمسلم أن يعلم علم يقين أنه ليس أفضل من الأنبياء الذين لم تجب دعوتهم على الفور، فنبي الله موسي ظل يدعوا على فرعون وخلفه أخاه هارون يؤمن على دعائه، والله عزوجل قال لهما: “قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” آية 89 من سورة يونس. مع أن هلاك فرعون كان بعد أربعين سنة من دعاء موسي وتأمين هارون وراءه؛ حيث إن حكمة الخالق اقتضت عدم إهلاك فرعون وأعوانه إلا بعد حين.

كما أن نبي الله يعقوب ظل يدعو ربه أن يعيد له ابنه يوسف عليهما السلام، وبكى وتذلل في دعائه حتى ابيضت عيناه، ثم ابتلاه ربه بفقد ابنه الثاني بنيامين، وكانت الإجابة من الحكيم بعد أربعين سنة.

وكان ﷺ يبشر أصحابه وهم يعذبون في مكة ويقتلون بنصره عز وجل وظل هذا التعذيب ثلاث عشرة سنة، فقد يكون الخير للمسلم في تعجيل الإجابة، أو يكون الخير في تأخيرها والذي يعلم كل هذا رب العالمين.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه ﷺ قال “لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، فقيل: يا رسول الله ما الآستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء”.

فالمسلم له بالدعاء ثلاثة مكاسب، إما أن يستجاب له ولو بعد حين، أو يدخر الله الدعوة له ثوابا في الآخر، أو يدفع بها عنه بلاء في الدنيا؛ لقوله ﷺ ” ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل، يقول: دعوت ربي فما استجاب لي”.

قال ابن عبدالبر: يقتضي الإلحاح على الله في المسألة وأن لا ييأس الداعي من الإجابة ولا يسأم الرغبة فإنه يستجاب له أو يكفر عنه من سيئاته أو يدخر له فإن الدعاء عبادة؛ قال الله تعالى ” وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”. سورة غافر آية 60.

فسمى الدعاء عبادة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له ولا يمل الله (عز وجل) من العطاء حتى يمل العبد من الدعاء ومن عجل وتبرم فنفسه ظلم، وروي عن مروان العجلي أنه قال: سألت ربي عشرين سنة في حاجة فما قضاها حتى الآن، وأنا أدعوه فيها ولا أيئس من قضائها.

ولا بد للمسلم أن يتحري الحلال في طعامه وشرابه وحياته لتكن دعوته مستجابة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ” سورة المؤمنون آية 51.. فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُمْ”سورة البقرة آية 172 .

ثم ذكر: “الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له” رواه مسلم.

قال ابن دقيق العيد: وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام ومباني الأحكام، وفيه الحث على الإنفاق من الحلال والنهى عن الإنفاق من غيره وأن المأكول والمشروب والملبوس ونحوها ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شبهة فيه وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره، وفيه أن العبد إذا أنفق نفقة طيبة فهي التي تزكو وتنمو وأن الطعام اللذيذ غير المباح يكون وبالاً على آكله ولا يقبل الله عمله.

ولتعلم أيها القاريء أن هذا الكلام أشار فيه ﷺ إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابته، وإلى ما يمنع من إجابته، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعة: أحدها: إطالة السفر، والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء، كما في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده» أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وعنده: ” دعوة الوالد على ولده “. وروي مثله عن ابن مسعود من قوله: ” ومتى طال السفر، كان أقرب إلى إجابة الدعاء؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.

والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة بالشعث والاغبرار، وهو – أيضا – من المقتضيات لإجابة الدعاء، كما في الحديث المشهور عن النبي ﷺ «رب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره» . «ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء، خرج متبذلا متواضعا متضرعا» . وكان مطرف بن عبد الله قد حبس له ابن أخ، فلبس خلقان ثيابه، وأخذ عكازا بيده، فقيل له: ما هذا؟ قال: أستكين لربي، لعله أن يشفعني في ابن أخي.

الثالث: مد يديه إلى السماء، وهو من آداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته، وفي حديث سلمان عن النبي ﷺ: «إن الله تعالى حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وروي نحوه من حديث أنس وجابر وغيرهما.«وكان النبي ﷺ يرفع يديه في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه».

ومن ثم كان لزاما على المسلم أن يتعبد بالدعاء في كل الأمور الدنيوية والأخروية ولا يستبطئ الإجابة؛ والله سبحانه وتعالى يجعل الشدائد مبشرة بالفرج، والعسر مؤذناً باليسر، وإذا تأملت ما قصه ربنا عز وجل عن أنبيائه وأصفيائه، وكيف لما اشتدت بهم الحال، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، “وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” سورة البقرة: 214، رأيت من ذلك العجب العجاب.

قال ابن عطية الأندلسي: “وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين، ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك ولا ارتياب.

وقال تعالى: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً” . سورة الشرح:5، 6، وقال ﷺ “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً” وأمثلة ذلك كثيرة، والله أعلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى