جارة القمر
منى أحمد إبراهيم.. تكتب
حلم زهور
جاري العزيز
اشتقت إليك كثيرًا.. كما اشتقت للرسائل بيننا
رسائل الثانية فجرا
ترددت بشدة قبل أن أكتب هذه الرسالة..
فهي رسالة خاصة جدًا..
تحمل عني من الأسرار ما ينوء قلبي عن حمله..
اخترت أن أشاركك إياها.. عسى أن ترتاح روحي من بعض أعبائها..
أتعلم؟
حائرة أنا بشدة!
صخب شديد من حولي.. وضجيج لا يبرح رأسي..
كنت في بوتقتي الزجاجية أظن نفسي ذات قلمٍ وبعض من علمٍ وثقافة..
حتى اختلط بالعالم من حولي..
عاصرت هذا.. وتعاملت مع هذا.. وتناقشت مع تلك..
فتيقنت حقًا أنني..
لست مثقفة..
بعض الناس يصنفون فقط شاربي القهوة.. ساهري الليل.. طالقي اللحية.. مجعدي الشعر غير مشذبيه.. غير مهندمي الملبس.. مبهري من حولهم بفصاحة القول وربما غرابة الفعل.. غير متقبلي الرأي الآخر بسهولة..
بأنهم المثقفون..
إذًا.. فأنا لست مثقفة..
لم أتربى على حب القهوة.. وبالطبع لا لحية لي..
أحب تصفيف شعري وتنميق جدائله على مختلف الأشكال..
أهتم بملبسي ومظهري وتناسق ألواني وحسن طلتي..
كلماتي من أبسط ما يكون ولكن يغمرها صدق الشعور..
وأفعالي لا غرابة تكمن بها رغم ميلها للجموح..
أتقبل الآراء.. وأستمع لمختلف الأذواق والأهواء..
لم أجد من بين صفاتهم سوى واحدة..
“ساهري الليل”..
فأنا عاشقة الليل.. والسهر.. والسحر.. والقمر.. والسكون..
لذا..
أصدقك القول.. وليس بي كثير من أسًى..
أنا لست مثقفة.. ولا مبهرة..
أنا فقط..
امرأة بسيطة..
أحب الصباح.. رغم لهفتي لحلول المساء..
أعشق ندى الفجر.. رغم افتتاني بسكون الغروب..
أهيم بشروق الشمس.. رغم أن الشفق الأحمر يخلب لبي ويخطف أنفاسي..
أصادق النهار.. وأستوطن الليل..
أحب الركض.. والضحك.. والمطر.. والأطفال.. والصحبة..
أحب القراءة عن كل شيء.. وفي كل مجال..
تسحرني اللغة الفصيحة.. وتحتل قلبي الكلمات المنمقة..
أعشق اللكنة البريطانية الباردة..
والأمريكية الشرسة..
والفرنسية الأنيقة..
أحب الرسم رغم أنني لا أتقنه..
والغناء رغم بحة صوتي..
والعزف رغم جهلي بالمعازف..
والسباحة رغم خوفي من الأمواج..
أشاهد الأفلام.. وأقرأ عن البلدان والشعوب وتقاليدها..
أستمتع بالحكايات التاريخية.. والملحمية..
ومشاركة الأحداث والأخبار..
حتى أنني شاركت أصدقائي حبي وتوقي للكثير من العادات..
وصار لي العديد منهم يحبونني وأحبهم..
ولكن..
ما زال غصني الأخضر يرنو لضوءٍ بعيد لا يدري حقيقته ولا كنهه وكينونته..
لا أعترف بالحظ..
أقدر على الاعتراف بأخطائي من أجل تصحيحها..
والإشارة نحو عيوبي من أجل تقويمها..
والتعبير بشجاعة ودونما خوف أو تردد عما يجيش بصدري من مشاعر.. وعما يجول بخلدي من أفكار..
أعلم أنني فاشلة في التعامل مع البشر.. وفي الحفاظ عليهم.. ومنحهم كل ما يريدون..
ولكنني أثق تمام الثقة أنني لا أدخر جهدًا في منحهم جل استطاعتي من حبٍ ووفاءٍ وصدقٍ ونصيحة..
أعترف أيضًا يا عزيزي..
أني ثرثارة جدًا جدًا..
خاصة حينما أنطلق معك بالحديث..
أسافر من حولك وأسبح في فضائنا وأنا لا أتوقف عن الكلام..
وإذا ما تعبت اندفعت إليك ورميت رأسي براحة على كتفك.. وأغمضت.. وأنا أهمس لك دون تردد..
ومن كل قلبي.. وبكل مشاعري..
“أحبك”..
كلمة هي وقودي وطاقتي وهوائي ونبضي..
وعزائي..
لا أنتظر منك ردها بالمثل.. فأنا بالفعل….
“أحب حبي لك”
أتعلم؟
أنا لا أعرف الكذب.. ولا أتقن خوض فنه..
وربما كان ذلك هو أشد عثراتي..
فمعه صرت منفرة للكثير من حولي..
وبات الناس يقنعوني.. ويؤكدون على أنني..
“فاشلة”..
لست مثقفة.. ولا مبهرة..
وأنني سأخفق في كل شيء..
فأنا لا أهتم بمقومات الجمال التي وضعها الناس من حولي..
على سبيل المثال..
أنا لا أعرف الكثير من مساحيق التجميل ولا مسمياتها الغريبة..
ولا أرتدي الأحذية ذات الكعب العالي..
ولا أصفف شعري كسيدات المجتمع الراقي..
فأنا أحبه غجريًا منطلق بلا قيود..
لذا وبصراحة..
صرت لا أهتم بجمالياتهم ومقوماتهم..
ولو كانت المعيار الوحيد للثقافة..
فمرحبًا إذًا بجهلٍ يشبع روحي رضًا وسعادة..
ولو كانت سعادة من حولي تعتمد على نجاحي حسب قيودهم وقواعدهم..
فأعدك أنني سأحاول أن أفعل ذلك يومًا ما..
ولكن الآن أفسح لي قليلًا وأبسط راحتيك..
فأنا أريد أن أنام..
“أحبك”..