كتاب ومقالات

العمر لحظة


بقلم د . صالح وهبة

مع الضغوط الحياتية والانشغالات اليومية، اكتظت عقول البشر بالتفكير في المستقبل وكثيرا ما يندم الإنسان على فرص ضاعت من عمره في الماضي.
ترتب على ذلك أنه فقد الحاضر الذي يعيشه ..وانشغل فكره بأمور الماضي وجلد الذات ..والماضي ولى ولا يستطيع تغييره ، وانشغل كثيرًا بالمستقبل والمستقبل بيد الله..

لقد فقد الإنسان أجمل لحظات في حياته وهي ” الآن ” وما أجملها لحظة .
للأسف الشديد معظم البشر يعيشون زمن العقارب والساعات ، الزمن المزيف المتغير بحسب جغرافية المكان،
وعزفوا عن الزمن الحقيقي “زمن المشاعر ..زمن الارادة والتحدي “
لحظة من هذا الزمن (عندما يتم عقد النية في التحدي والتصميم وروح الإرادة) قد تعادل عمرا باكمله. بل ممكن تعادل حياة أبدية لحظة عزمه في التقرب إلى الله .

“عش حاضرك”
عش اللحظة وهي “الآن” ..عش حاضرك ..عش زمنك الحقيقي ..عش زمن الإرادة..عش الزمن غير القابل للتقسيم ذلك الزمن الذي لا يقسم حياتنا إلى ماض وحاضر ومستقبل ..عش اللحظة فالعمر لحظة ..عش زمنك الداخلي المتصل والمستمر .

الحياة الحقيقية
حياتك الحقيقية ماهي إلا مجموعة لحظات مستمرة بالحضور ، فنتعرف على الماضي من خلال الحاضر ، فعندما نعيشه بإحساس التذكر، نسميه ماضي وعندما نعيشه بإحساس التوقع ، نسميه مستقبل ، وفي الحقيقة كل هذه الإحساسات حاضرة كنهر متدفق متجدد المياه دائما ، إنما الفواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل هي فواصل وهمية ؛ لأن اللحظات الثلاث متداخلة في بعضها البعض ، والذي يقوم بتعيين اللحظة في الشعور هو “الانتباه” فيضع خطا تحت إحساساتنا ومشاعرنا فيخيل إلينا أننا وقفنا لحظة والحقيقة لا وقوف أبدًا .

(هنا والآن)

عش (هنآ والآن )

“الان ” تعني لحظة وجودك ،، “هنا “هو المكان الذي تعيش فيه هذه اللحظات
عش قوة وجودك «هنآ والآن» فهما كفيلان بتغيير مجرى حياتك للأفضل
فقد تعيش في زمن العقارب والساعات مائة عام ولا تعادل لحظة من لحظات المثابرة والتحدي والعزم على كسر القيود وتحويلها لأجنحة تحلق بها في سماء الارادة .

وفي سياق متصل ..سئلت ذات مرة أربعة أسئلة متتالية وكانت الإجابة عليهم إجابة واحدة وهي “الآن” ..

الأسئلة .. عمرك وعنوانك ؟ .. أهم عمل من وجهة نظرك ؟ أهم شخص دائما يتبادر إلى ذهنك ؟

الإجابة..
عمري لحظة وجودي وقوة وجودي في هذه اللحظة .

عنواني ..المكان الذي أتواجد فيه لحظة إثبات وجودي “أكون أو أكون “

أهم عمل هو العمل الذي أقوم به في هذه اللحظة وهي “الان”.

أهم شخص يتبادر إلي ذهني دائما هو من يجالسني هذه اللحظة .

“تحذيرات “
ابعد عن زمن العقارب والساعات ، فلو فكرت في الماضي سيجلب لك الفكر كيف ؟
العقل يلد فكر (يخرج منه ويظل بداخله ) تعبر به محيطات وتسافر به قارات وهو ملازمك ويتجسد على تعبيرات وجهك وانفعالاتك وتصرفاتك وسلوكياتك وطباعك ولو كتمته يسبب لك الأمراض العصبية والأمراض العضوية كأمراض القولون والضغط والسكر والسمنة ..

راقب أفكارك فانها ستصبح كلمات ، راقب كلماتك فإنها ستصبح أفعال ، راقب أفعالك فأنها ستصبح عادات ، راقب عاداتك فإنها ستصبح طباع. راقب طباعك فإنها ستحدد مصيرك

صحيح إنك لا تستطيع منع طيور الفكر من أن تحلق فوق رأسك، لكن باستطاعتك منعها من أن تعشعش في شعرك

نصيحتي..
عش اللحظة واطرد الفكر من دماغك واعمل له replacing بالتفكير في ممارسة الرياضة والهوايات وثق تماما “كل ما تفكر فيه ينجذب إليك “.
لأنك إذا أطلقت العنان للأفكار السلبية تحتل عقلك وتطن في دماغك طنين الذباب «وكلما زادت مدة استضافتك لها كلما شعرت بالتوتر الذي قد يوصلك للاكتئاب».

وفي سياق متصل ..
في “علم الميكانيكا”
وزن الجسم يعبر عن قوة جذب الأرض لهذا الجسم ولكن شعورك بالوزن (الثقل ) يتوقف على الفترة التي تحمل فيها هذا الثقل على كتفك مثلا، فلو حملته لفترة زمنية طويلة تشعر بالتعب والإجهاد أكثر ..مع أن الثقل كما هو .. هكذا الفكر كلما تعايشت معه كلما أصبت بالأمراض العصبية والعضوية .

لكن الزمن الحقيقي هو زمن المشاعر الذي هو الترمومتر الحقيقي للقياس ، “فقد تكون دقيقة الألم ساعة في هذا الزمن وساعة الالم دقيقة”..
هذا الزمن ( زمن الشعور بالسعادة )التي إذا قسمتها على الآخرين تضاعفت سعادتك (تتعارض مع قوانين الرياضيات).

يقول الحكيم : كلما نظرت إلى الماضي إلى السنوات العتيقة العقيمة التي ضاعت في اللهو واللعب (زمن الساعات )ينزف قلبي دما ، لأن الحاضر هبة من الله وكل دقيقة منه يمكن أن تكون حياة أبدية زاخرة بالفرص والاحتمالات السعيدة .

الخلاصة
(هنآ والآن)هينان من الله فالحاضر بكل امتيازاته نستمتع به ونستثمره ونحقق ما نحلم به ونتمناه .

(هنآ والآن) مفاتيح ذهبية وأكثر موثوقية للوصول إلى التفرد والتميز والنجاح ، فالماضي مضى بما فيه ولا نملك تغييره والمستقبل بيد الله

” الآن “. .وقتنا المقدس
“هنا ” ..مكاننا المفضل

النهاية..
الثقة في مقدارنا والإيمان بمقدراتنا كفيلان أن يغيرا من أقدارنا..

هيا بنا نعيد تقييم حاضرنا ونعطي له فرصة التواجد والحضور والتعبير عن كينونته .. ومن يدري فقد يفوق توقعاتنا أكثر مما نطلب ..

هيا بنا نعيد بث الإرادة في أنفسنا …تلك الغدة التي تفرز المستحيلات وتحولها لممكنات..

هيا بنا نعيد بث القيم والمبادئ والأصول التي تربينا عليها وصنعتنا لنسير في خط مستقيم لا يحيد عن الشرف والنزاهة .

فالحياة (زمان ومكان ) ..(هنآ والآن) ..أغلى من أن تنقضي بلا شغف .

أغلى من أن تستغل في صراعات وتفاهات وشهوات زائفة وضياع .

دمتم في سلام ووئام .

إقرأ أيضاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى