العلاج النفسي واللايف كوتش خديعة كبرى أم ضرورة لإنقاذ الذات
الدكتور هشام انور..يكتب
وقت النشر : 2025/01/23 03:26:34 PM.
العلاج النفسي واللايف كوتش خديعة كبرى أم ضرورة لإنقاذ الذات
الدكتور هشام نوار.. يكتب
لطالما كان العلاج النفسي واللايف كوتش موضوعين مثيرين للجدل، بين من يراهم طوق نجاة لإنقاذ أرواح تائهة، ومن يعتقد أنهم مجرد تجارة تستغل ضعف البشر. السؤال الذي لا يحتمل المجاملات: هل نحن أمام علم حقيقي يغيّر الحياة، أم خدعة مقنعة ببريق المصطلحات والوعود؟
العلاج النفسي: حقيقة أم أسطورة مغلفة بالعلم؟
لا يمكن إنكار أن العلاج النفسي قد أنقذ ملايين الأرواح حول العالم، لكن الحقيقة التي يتجنب البعض الحديث عنها هي أن هذا المجال يعاني من تناقضات صارخة. هل كل من يعتلي كرسي “المعالج” مؤهل فعلًا لفهم تعقيدات النفس البشرية؟
الإجابة الصادمة هي: لا.
هناك من يتعامل مع المرض النفسي كأنه مجرد وصفة جاهزة للأدوية أو جلسات نمطية خالية من الروح، متجاهلًا حقيقة أن كل إنسان هو حالة فريدة تحتاج لفهم أعمق، بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
دور المعالج النفسي
المعالج النفسي ليس معالجًا سحريًا قادرًا على حل جميع مشاكل الحياة، بل هو مرشد يساعدك على فهم ذاتك وتطوير مهاراتك في التعامل مع تحدياتك. لكن، لسوء الحظ، نرى أن هناك ممارسات غير مهنية من بعض المتخصصين الذين يقدمون حلولًا سريعة أو وعودًا غير مدعومة علميًا. هذا لا يعني أن العلاج النفسي ليس ذا قيمة، بل يعني أنه يحتاج إلى تطوير مستمر، ويجب أن يعتمد على أسس علمية ونفسية دقيقة.
لماذا يفشل الناس في التغيير رغم كل الدعم؟
الأبحاث تشير إلى أن نسبة كبيرة ممن يسعون للتغيير أو التعافي من مشكلاتهم النفسية لا يصلون إلى النتائج المرجوة. لماذا؟
* الخلل في التوقعات: الكثيرون يظنون أن مجرد حضور جلسة علاجية أو استشارة مدرب حياة ستغير حياتهم. لكن الحقيقة القاسية هي أن التغيير يبدأ من الداخل، ولا يمكن لأحد أن ينقذك إن لم تكن مستعدًا لإنقاذ نفسك.
* الاعتماد الكلي على الآخرين: هناك ثقافة منتشرة مفادها أن المعالج أو المدرب هو “المُنقذ”، وهذا بعيد كل البعد عن الواقع. دورهم هو الإرشاد، لكن الخطوات يجب أن تكون من اختيارك أنت.
اللايف كوتش: بين الأمل والوهم
في السنوات الأخيرة، انتشر مفهوم اللايف كوتش كالنار في الهشيم، وأصبح بمثابة “موضة” في عالم التنمية الذاتية. لكن السؤال هنا: كم من هؤلاء المدربين يمتلكون المعرفة الحقيقية والتجربة الفعلية؟
* الحقيقة المرة: كثيرون من المدربين يقدمون وعودًا زائفة دون أي أساس علمي. أساليبهم تعتمد غالبًا على الحماس اللحظي، دون بناء استراتيجية حقيقية للتغيير. كثير من المدربين يعتمدون على تقنيات سطحية تباع في ورش تدريبية قصيرة، ثم يتركون المتدربين في مواجهة مشاكلهم دون إرشاد مستمر.
* المدرب الحقيقي: هو من يساعدك على كشف ذاتك، لا من يبيعك أحلامًا مستحيلة. وهو من يتحدى معتقداتك الراسخة بأسئلة غير مريحة، لا من يجعلك تشعر بالراحة المؤقتة.
ما لا يخبرك به المدربون والمعالجون
* التغيير عملية شاقة: لا أحد يخبرك أن التغيير الحقيقي يتطلب مواجهة نفسك بأعمق مخاوفك وأشد نقاط ضعفك. عندما تتعامل مع أعمق الصدمات النفسية أو القناعات المدمرة، ستشعر وكأنك تنهار.
* لا توجد وصفة سحرية: النجاح ليس نتيجة جلسة أو اثنتين، بل هو نتاج عمل شاق ومتابعة مستمرة. إن محاربة المشاعر السلبية أو تعديل السلوكيات القديمة يتطلب وقتًا وجهدًا حقيقيًا، فلا تنتظر أن يحدث التغيير بين عشية وضحاها.
* المواجهة أولًا: كل رحلة تبدأ بمواجهة الحقيقة. عليك أن تعترف بضعفك، بخوفك، وربما بفشلك، قبل أن تبدأ في بناء حياة جديدة. التغيير لا يبدأ في الجلسات العلاجية فقط، بل في اللحظة التي تكون فيها جاهزًا لمواجهة نفسك بصدق.
إحصائيات مرعبة
وفقًا لدراسة أجريت في 2021، أظهرت أن ما يقارب 60% من الأفراد الذين بدأوا علاجًا نفسيًا أو استشارة مع مدرب حياة لم يروا تحسنًا ملموسًا في حياتهم بعد 6 أشهر من المتابعة. هذا يشير إلى أن الفعالية لا تعتمد فقط على الجلسات، بل على كيفية استخدام هذه الجلسات ومدى استعداد الشخص لتحقيق التغيير.
الفرق بين العلاج النفسي واللايف كوتش
بينما العلاج النفسي يركز على معالجة الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، باستخدام أساليب علمية معتمدة، يُركّز اللايف كوتش على تحسين جودة الحياة الشخصية، وتطوير الأفراد من خلال إرشادات وتوجيهات عملية. لكن في الواقع، قد يختلط على البعض دور كل منهما. الفرق الأساسي هو أن العلاج النفسي يحتاج إلى مختص مدرب علميًا في مجال الصحة النفسية، بينما قد لا يحتاج اللايف كوتش في بعض الأحيان إلا إلى شهادة عامة قد لا تكون مدعومة بتدريب عملي كافٍ.
دعوة للإصلاح
لن نواجه تحديات التغيير ما لم نضع في اعتبارنا ضرورة إصلاح وتطوير هذه المجالات. يجب أن يكون هناك إشراف أكاديمي صارم على المدربين والمعالجين النفسيين لضمان أن يكون كل شخص مؤهلاً بما يكفي لمساعدة الآخرين. يجب أن نبحث عن فنيات علمية دقيقة، بدلاً من الاعتماد على أساليب سطحية. التغيير لا يأتي عبر الكلمات السهلة أو الوعود الفارغة، بل من خلال فهم عميق للذات وإرادة صلبة للقتال من أجل التحسن.
العلاج النفسي واللايف كوتش ليسا خديعة، لكنهما أيضًا ليسا الحل السحري. هما أدوات، ومثل أي أداة، فاعليتها تعتمد على من يستخدمها وكيف تُستخدم. التغيير الحقيقي يبدأ عندما تنظر في المرآة وتقرر أنك لن تكون نفس الشخص بعد اليوم.
قبل أن تضع حياتك بين أيدي معالج أو مدرب، اسأل نفسك: هل أنا مستعد حقًا لتحمل مسؤولية تغييري؟ أم أنني أبحث فقط عن من يحمل هذا العبء عني؟