بقلم د .صالح وهبة
ميز الله الإنسان عن باقي المخلوقات ، فالحيوان يتكون من جسد ونفس .. والإنسان يتكون من جسد ونفس وروح، تلك الروح الخالدة التي تسمو على الجسد وتصعد إلى خالقها للحساب، كما غرس فيه الضمير الذي يبكته عن فعل الشر ، فبدون الضمير كان اختلط الحابل بالنابل، فتجد من يحرم الحلال ومن يحلل الحرام ، كما غرس فيه حرية الإرادة واتخاذ القرار ، لكن الحيوان يتبع غريزته أو القطيع الذي يسير معه للبحث عن الماء والغذاء .
كما ميز الله الإنسان عن الحيوان بموهبة النطق، فالحيوان لديه صوت فقط (وكل حيوان له صوت خاص يميزه) ليعبر به عن مشاعره عند فزعه أو سعادته ،
فعندما يحاول العصفور الارتباط بعصفورة، يبدأ في مغازلتها، فيصدر لها أصواتا رقيقة ويحوم حولها وينفش ريشه ليلفت نظرها ، كذلك الكلب عندما يكون جوعان، له صوت وعندما يكون مذعور،له صوت وعندما يكون شرس، له صوت أيضا ،
تقريبا كل حيوان له من 7 إلى 8 أصوات مختلفة للتعبير عن مشاعره
لكن الإنسان لديه. vocabularies وعقل ليخرج منها آلاف الكلمات وال expressions .
كذلك منح الله الإنسان موهبة التفكير الذي يساعد الإنسان في تطوير نفسه من الإبرة للصاروخ (تفكير علمي سليم) له هدف واضح مثل تدبير المعيشة وحل المشكلات والاكتشافات والاختراعات والتخطيط في عمل المشاريع
فالتفكير نعمة وهبها الله للإنسان وميزه بها عن باقي المخلوقات .
لكن لو أطلقنا العنان للتفكير وجعلناه يعشعش في أدمغتنا بصفقة ديمومية لدرجة الشخص يشكو بقوله “دماغي هتنفجر “
هذا النوع من التفكير غير صحي
ويسمى التفكير الزائد over thinking وصاحبه يصاب بأمراض نفسية وعصبية وتسبب له أمراض عضوية كأمراض القولون والضغط والسكر والسمنة
هذا التفكير المستمر والمتواصل الذي يحوم في دماغ الشخص ذهابًا وإيابًا مثل الذبابة التي تطن بصفة مستمرة، هذا التفكير يستهلك طاقة الشخص اليومية فيحرمه من التفكير في اللحظة التي يعيشها وما أجملها لحظة وهي “الآن “
صور التفكير الزائد
اجترار الفكر
مثلًا شخص زعل من زميل له لأنه جرحه بكلمة صعبة ، وعندما اختلى بنفسه استحوذت هذه الكلمة على مشاعره وأخذت تطن في دماغه ويعيد فيها ويزيد ويقول في نفسه (ازاي يقول لي كلمة زي كده وأنا ليه مردتش عليه ؟! ) وعشعشت هذة الكلمة في دماغه بصفة مستمرة .
أو واحدة ، دماغها يسترسل بما فعلته فيها حماتها وممكن تكون حماتها فارقت الحياة من 20 سنة ، لكن عقلها مستمر في الذكريات المؤلمة كنهر متدفق وتقول في نفسها (ازاي عملت كده وأنا ساكتة ؟! ) وغير قادرة على طرد الفكرة من دماغها .
أو طالب عنده احساس أن درجاته في امتحان الثانوية العامة لا تؤهله لدخول كلية الطب فيحتل التفكير عقله ويقول في نفسه : (اعمل ايه ؟ أدخل خاص ؟ طيب الجامعات الخاصة مكلفة والامكانيات لا تسمح !!!) تفكير متواصل لا ينقطع
عادة البنت تفكر في أشياء خاصة بمشاعرها والولد يفكر دائما في الشغل والعمل من أجل الحصول على المال ..
والجدير بالذكر ..الناس التي تقع فريسة هذا التفكير ، تفكر في أشياء ليست بأيديهم أن يحلوها في قوتها الحالي (it’s too late )
فيكون الموضوع (out of their hands)
الاهتمام
الإنسان يسأل عن أمور لا تفيده
مثال ..
شخص مشغول بفكرة “الفساد في المجتمع “. دماغه شغالة وعندما تسأله : هل أنت مسؤول في الدولة ؟ هل انت عضو في البرلمان؟ هل أنت عضو في منظمة حقوق الإنسان ؟ يقول لك. “لا”
“لكن هذا الموضوع شاغلني جدا ولازم نشوف حل” … والعجيب ممكن يحول لموضوع آخر بقوله : “عاجبك اللي بيحصل بين اوكرانيا وروسيا؟
عاجبك موقف أمريكا ؟ متي تنتهي هذه القضية ؟
هذا الشخص يشغل فكره دائما بأمور ليس لها جدوى على الإطلاق .
مثلًا ..عروسة تختار فستان فرحها، تظل سهرانة الليل بطوله تفكر في الفستان مع العلم بعد الفرح لا أحد يهتم ولا يأخد باله ولا حتي يفكر يتفرج على الفيديو ..علاوة على إنها تلقي اللوم على والدتها لأنها لا تشاركها سهر الليل في اختيار الفستان وتاركاها تفكر لوحدها .
مثال آخر
“ماتش كورة بين فريقين كبار “
نجد شخص يفكر في التشكيل ويتخيل النتيجة ويقول في نفسه :”يا سلام لو اللاعب فلان نزل” ويعيش أحلام يقظة في الماتش ويكون الماتش باقي عليه يومين حتى يبدأ …ويقول في نفسه “ليه المدرب نزل الولد ده وطلع فلان ؟” وكأنه هو كوتش كورة أصيل أو كان مدرب في أسبانيا في كاس العالم .
وينتهي الماتش ولا ينتهي التحليل ويضع أمامه كل الجرائد ويستمع لكل التعليقات .
عزيزي القارئ :
نحن ليس ضد التفكير إذا كان التفكير يؤدي إلى نتيجة وقرار وفائدة لكن هذا التفكير كما ذكرنا آنفا يجلب لصاحبه القلق والتوتر والضغط العصبي والأمراض النفسية والعضوية
نتائج التفكير الزائد
(١) إجهاد الذهن والذي يؤدي إلى أمراض عصبية anxiety.
(٢) مرض لنفسه ولمن حوله لدرجة لو أحد قال له “صباح الخير لا يسمعه”
لأن الفكرة التي بداخلة تحتله احتلال كامل ورغم ذلك يوجه اللوم للآخرين
(٣) يجعله دائما مشتت التفكير حتى في الصلاة لأن مشاعرة كلها في الفكر المسيطر عليه وليس مع ربنا .
العلاج
(١) ..”إياك والوحدة”
لا تختلي مع نفسك “لوحدك” وتجنب الفراغ حتى لا يططادك الشيطان للهواجس والوساوس
فمثلا يخوفك من المرض الذي ستموت به ويجعلك تصاب ب “فوبيا المرض”
(٢)..محتاج تتكلم مع الناس ودائما تعمل outing مع أصحابك
(٣) “انشغل بالقراءة “
فكما أن الأكل الصحي غذاء للجسد، هكذا القراءة المفيدة غذاء للعقل .
(٤) “اعمل replacing “
عندما يطرق الفكر باب عقلك، حوله إلى عمل إيجابي..
بمعنى العب رياضة ، لو كنت معلم رياضيات ، حل تمارين واكتشف حلول سهلة وطرق مختلفة، أو اذهب إلى دور العبادة للصلاة …..
(٥) لا تشكو همك لأحد
لأنه “ممكن ييجي يكحلها يعميها” ..ممكن يضاعف لك الهم ويحملك هموم على همك
فمثلا ..تحكي لشخص عن تعنت مديرك..يقول لك :”اشتكيه”ويبعت لك صيغة الشكوي ويوقعك في مشاكل ويكون الموضوع “مش مستاهل”.
أو واحدة بتحكي لزميلتها عن ألم في القولون فتوهمها إنه ممكن يكون سرطان وتجلب لها التفكير الذي لا يفارقها ليل نهار وممكن الأطباء يطمئنوها والفكرة لا تزال مسيطرة على عقلها .
نصيحتي ..
(١)..لا تعطي مناخ ملائم لتكاثر الفكر في دماغك لأنه لو أطلقت له العنان سيتكاثر بمتوالية هندسية أسرع من تكاثر الأرانب ..فاحذر !!
(٢) ..لا تجعله يحوم حول ذهنك ويطن في دماغك مثل طنين الذباب “ذهابا وإيابا” فاحذر !
(٣)..التفكير الزائد هو الوقود الذي يحترق في خزان العقل ليحرك مقطورة المشاعر حركة متسارعة ومخيفة ..فاحذر !!!
وفي النهاية
التفكير الزائد يجعل الوسادة لا تهدا أبدأ . وبالتالي يجلب لك الأمراض
التفكير الزائد مثل الرياح ..والمعرفة هي الشراع.. وحياتك هي السفينة، فعليك بتوجيه فكرك توجيه صحيح وإيجابي حتي تصل سفينتك لبر الأمان