الاحتراق النفسي
بقلم د .صالح وهبة
مقدمة البحث
لو كل يوم عندما تستيقظ من النوم ، تجد نفسك تعبان ..مرهق ..مهموم ، ومهام الحياة اليومية والروتين اليومي للعمل أصبح عبء وثقل عليك .. بدأت تشعر بخواء داخلي وعزلة وليس لديك الرغبة في التحدث مع المحيطين بك وأهلك وذويك
إذا ظهرت هذه الاعراض عليك وجب وضع علامات استفهام ، ونقطة ومن أول السطر تبدأ تراجع نفسك وتعمل وقفة وتنتبه لأن هذه الاعراض مؤشر خطير فقد تقودك لأول سلمة تهوي بك إلى الاحتراق النفسي “burnout”وبعدها تصل إلى الاكتئاب “depression “
فكن حذر وراجع نفسك لأنك في النهاية (أنت المتحكم ) فعندما تجد نفسك داخل في نفق هذه الأعراض السابقة والتي سنتحدث عنها بالتفصيل في متن البحث تنتبه وتغير طريقة تفكيرك وسلوكياتك حتى لا تنزلق برجلك إلى الاحتراق النفسي
عناصر البحث
سنتحدث في هذا البحث عن التوتر النفسي ..الأعراض التي نمر بها (ولا نعلم) إننا داخلين في نفق الاحتراق النفسة …ثم التحذيرات للوقاية من التآكل النفسي
أولا ..التوتر النفسي
التوتر النفسي (stress ) نوعان
(صحي أو غير صحي )
حقيقة نحن محتاجين للتوتر الصحي حتى لا نصاب بالبرود في حدث أو موقف يتطلب الحزم وفي النهاية أنت المتحكم في نوع التوتر( فإذا مسكت العصا من المنتصف) “لا إفراط ولا تفريط”يكون صحي ولكن لو سمحت له بالتوغل واستجبت له وأطلقت له العنان في أن يحتلك ويتملكك ويحتل تفكيرك ودائما تجتره في هذه الحالة يصير توتر غير صحي وممكن يكون أول خطوة للدخول في دائرة الاحتراف النفسي
لكن ! كيف يتكون الاحتراق النفسي ؟
(التحليل والإيضاح)
تعرضت لموقف صعب ..قرار سريع يتحتم عليك التصرف بسرعة في اللحظة والتو … تلقائيًا يبدأ الجسم في إفراز 3 هرمونات للتوتر (الادرينالين .. النورادرينالين ..الكورتيزول ) يجعلونا نعمل ما يسمى (بآلية القضاء على التوتر )
مثال ..داخل لجنة الامتحان متوتر، فورا يبدأ إفراز الهرمونات الثلاثة في الجسم لكي ينشطوك ويعملوا على تقوية ذاكرتك واستدعاء المعلومات التي ذاكرتها بما يسمى ( control stress reaction )
لو رجعت البيت مبسوط إنك حليت ستجد الهرمونات يقل إفرازها في جسمك وتصبح الحياة حلوة
على النقيض
لو رجعت البيت متوتر وغير مبسوط من الحل وبدأت تسمح للأفكار السلبية أن تعشعش في عقلك مثل (الامتحان صعب ..الوقت غير كاف …المراقبين محاوطيني مثل النحل ..كده انا لا أدخل الطب )….. في هذه الحالة تكون أنت المتسبب في أذى نفسك لأنك لم تفصل حتى تتهيأ للمادة الثانية ، لأنك لا تستطيع أن تغير ما مضى (it’s too late )
وتجد نفسك (وأنت لا تدري) دخلت في دوامة الأفكار السلبية ولا تستطيع الخروج منها وهذا ما يسمى ( uncontrol stress reaction )لأن الهرمونات الثلاتة لا تزال تفرز في جسمك
انتباه
إطلاق العنان للأفكار السلبية وتبدأ تجتر فيها وتعيد وتزيد لدرجة أنها تحتل كل تفكيرك ومشاعرك وتستأسرك واستمرار إفراز الهرمونات الثلاثة يسبب لك المرض والشكوى التي يشتكي منها كل البشر على الكرة الأرضية لأنك تركت الحبل على الغارب للأفكار السلبية أنها تعشعش في دماغك مع إن كان في استطاعتك تفصل وتعدي وتنظر لما هو آت …وتنتبه لما هو بين إيديك في اللحظة الحالية …
استسلامك لهذه الأفكار تكون عرضة للاصابة بقلة التركيز والرهاب الاجتماعي والذبحة الصدرية الكاذبة (متلازمة القلب المكسور ) ألم في البطن والقولون ..ألم في الصدر ..ضيق في التنفس …) أمراض ليس لها أساس عضوي
وفي النهاية أنت المتحكم في كل هذا
ثانيا ..سنلقي الضوء على الأعراض ( processes ) التي نمر بها ذهنيا (ونحن لاندري ) أننا داخلين إلى الاحتراق النفسي وقد يصل بنا إلى الاكتئاب (depression) وهي
(١) مرحلة اثبات الذات.. (٢) مرحلة تحمل النفس فوق طاقتها (٣) تنسى احتياجاتك (٤) قمع المشاكل. (٥) الانحسار الاجتماعي (٦) الخواء الداخلي
التوضيح والتحليل
كل واحد في الحياة تقريبا يلعب أربعة إلى خمسة أدوار وتبدأ الصراعات بينه وبين هذه الأدوار مثلًا (زوج ..أب ..مدير ..قائد ) ..( زوجة .. أم ..موظفة. ..مديرة تربي وتعول ….) والمشكلة تكمن في ( لابد أن يؤدي أو تؤدي هذه الأدوار على أكمل وجه وهذا يفرض عليه أن يضغط على نفسه ويحملها فوق طاقتها وهذه هي المرحلة أو ال (process الثاني ) فيضطر يأخذ شغل إضافي ويلتزم بال deadlines (مواعيد التسليم ) ويكون مطالب ب multitasking هذا يقوده الى (المرحلة الثالثة )فيبدأ ينسى احتياجاته ..ينسى نفسه ..ينسى متطلباته ..ينسى مشاعره ..ينسى رغباته ..لا يلبي نداء جسمه (ينسى ينام ..يأكل وهو واقف..نظام fast food )…. كل هذا يقوده إلى المرحلة الرابعة وهي مرحلة (قمع المشاكل ) حاسس بصراعات داخلية مع نفسه ومع الناس ولا يرغب في الاعتراف بها ..وبرغم شغله الزائد لا يجد تقدير appreciation ومع ذلك يشتغل بزيادة ويظل يقمع المشاكل والصراعات ويسمع صوت داخلي يقول له (أنت مش مبسوط) ..هذا يقوده للمرحلة الخامسة وهي مرحلة (الانحسار الاجتماعي) فيبدأ يتمركز على نفسه ولا يرغب في الاختلاط مع الآخرين..ينعزل عن أصحابه ولو جلس معهم يكون بجسمه فقط وذهنه شارد ولا يخرج مع زملائه ليمارس حياته الاجتماعية .. بعد الانحسار الاجتماعي تبدأ signal أو إشارة معناها بدأت الطائرة تعمل landing على أرض الاكتئاب فتأتي بعدها المرحلة السادسة وهي (مرحلة الخواء الداخلي ) وفيها يحس بالقلة وعدم القيمة وأن أفكاره أصبحت كلها مضروبة وغير مفيدة ولا أحد يسمعه …تركيزه قل ..(مش عارف جواه ايه ؟ وهو أصلا مش عارف عايز ايه ؟ )
وطالما وصل لمرحلة الخواء الداخلى نقول له : حمد الله على السلامة ..أنت حاليا تعمل landing على مرحلة الاكتئاب وهذه المرحلة درجة تأثيرها يختلف على حسب تحمل كل شخص ..هل نزل بكل جسمه على اكتئاب كبير (major depression ) لانه كان تارك نفسه سنوات طويلة في الاحتراق النفسي .. أم كان (aware ) أو حذر بالأعراض وكان يحاول عدم الانشغال بها وكان اكتئاب متوسط
المهم درجة التعامل مع الاكتئاب تتوقف على درجة تفاعلك أنت كشخص مع الأعراض الستة آلتي ذكرناها والتي تؤدي إلى الاحتراق النفسي
ثالثًا .. التصرفات التي نسلكها حتى لا نصل إلى مرحلة الاحتراف النفسي أو حتى داخل المراحل (processes) الست التي تحدثنا عنها حتى أكون يقظ (aware) وفطن ومتيقن أن هذه الأشياء قد تؤدي بنا إلى التآكل النفسي
(١) تنظيم اليقظة والنوم والأكل والرياضة
توضيح……
النوم من ساعتين إلى ثلاث ساعات عير صحي لأن بمرور الوقت تحدث تراكمات داخل جسمك ..فلا بد أن تاخذ قسط كاف من النوم وتعرف ( يوجد وقت للنوم ووقت لليقظة) وأي خلل في هذا النظام يقودك للتوتر والاحتراق النفسي …
كذلك تنظيم الأكل مهم جدًا .. الأكل الصحي مهم والأهم هو أن تحترم لحظة الأكل فلا تضيع لحظة الأكل في انشغالك بأشياء معينة (تمسك الموبايل أثناء الأكل وتتفقد الرسائل ….( على سبيل المثال)
لاحظ
الأكل على الواقف …الأكل السريع (fast food) .. والوجبات الباردة كل هذا يقودك للاحتراق النفسي ..احترم لحظة الأكل..
الأوروبيون وقت الأكل (lunch break ) يفرغوا أنفسهم تمامًا ولا ينشغلوا بأي شيء .. ليستمتعوا بالأكل ويعودوا لشغلهم
احترم اللحظة التي تنام فيها وتأكل فيها واستمتع بها ولاتغفل الحركة والرياضة
(٢) ..الاستغناء الواعي الناضج المتعمد عن كل ما يؤذيك ويشتت ذهنك
التوضيح والتحليل …
مقارنة أدائك (your performent ) بالآخرين وأن الآخرين أفضل منك وتشتغل أكثر وأكثر وفي النهاية تشعر إنك مقصر وإن الآخرين أفضل منك وقس على ذلك (مقارنة زوجي بالآخرين ..مقارنة أولادي) كل هذا يضعنا تحت مظلة الاحتراق النفسي …
السوشيال ميديا أيضا واقعة تحت طائلة (أضيع وقتي في وقت كان يجب أنجز فيه عمل معين) فمثلا لو كنتي مقررة تعملي أشياء معينة (تطبخي مثلا ) ومسكني الفون وقلتي 🙁 أشرب القهوة ودقيقة أشوف الدنيا فيها ايه ) ستجدين الدقيقة جرت ساعة وساعتين (ولا طبختي ولا عملتي حاجة)
فجأة تقومي من مكانك منتفضة ومتوترة والحاجات المقرر عملها في ٣ساعات تضغطي نفسك وتعمليها في ساعة لأنك (تركتي نفسك غارقة في بحر الرغي في التليفونات والتجوال في الماسيجات والفيديوهات وجروبات الواتس أب )
بمعنى أوضح ..تنظر لأشياء تعملها صاحبتها وهي في غير مقدورها فعلها لأن قدراتها الذهنية محدودة أو إمكانياتها المادية لا تسمح فتبدأ تحرق في نفسها وتتوتر زيادة وخاصة عندما ترى صاحبتها تزداد في التألق والنجاح وهذه هي طبيعة البشر كل واحد يحب أن يرى نفسه أحسن من الآخرين ولا يتوقف عن العمل …
نصيحتي في هذا الصدد:
كن قانعًا وراضيًا لما بين يديك ولا تحترق أمام داء المقارنات ..ربنا خلق كل واحد مختلف عن الآخر فان كان عندك جانب سلبي ثق تماما لديك جانب إيجابي لو استثمرته ستنجح وتتميز فلو حكمت على سمكة أنها تتسلق شجرة ستكون تعيسة طوال حياتها وتفقد فيها مهارة السباحة..(العب على الجانب الإيجابي واجتهد ) فتعلم الصيد خير من الوقوف على الشاطيء تتفرج وتتمنى
اذن أركز على المهام الذي أريد عملها واجتهد في تنفيذها في الوقت المعين وبما أنك تتكلم عن الناس، تأكد ستصل إلى الاحتراق النفسي …
كذلك إن لم أستغني عن ماذا يقوله الآخرون عني وماذا يعتقد الاخرون عني وهذا مايسمى (قراءة العقول ) …كل هذا يجعلها سكينة على رقبتك ولازم تثبت نفسك ولازم تستغني عن احتياجاتك وعن كل حاجة لأن عندك توقع معين من الآخرين وأنت لا تعلم ما إذا كان هذا التوقع صحيح أم خطأً….
لكن بناء على اعتقادك الخاطئ منك بأن المدير متوقع منك score عالي أو تحقق target 150% وهو في الأصل ممكن يكون غير ذلك أو متوقع منك level 100% فتجد نفسك تدور في حلزونة الاحتراق النفسي وتبذل أقصى ما في وسعك do your best ….. وتتوتر وتصاب بالاحتراق النفسي
اذن كن حذر !!!!
استغني عن العلاقات الكثيرة ….
تاتي لك اكثر من مناسبة في يوم اتبع نظام الاهم أولا ثم المهم
فبدل حضور ثلاث مناسبات في يوم واحد، يكفي حضور مناسبة واحدة
(٣) ..التفكير السلبي والتفكير في الماضي والفرص الفائتة
توضيح
بمعنى أعيش دائما في دوامة الأفكار السلبية مثل لو كنت اشتريت العقار كنت كسبت .. لو كنت اشتريت السيارة … لو كنت ..لو كنت …
اجترار الافكار والتفكير في الماضي يفسد عليك لذة الحاضر والساعة لا تعود للوراء
وكل هذا يشعرك إنك فاشل وينقلك إلى الخواء الداخلي
التيقظ mindfulness
عش اللحظة الحالية حتي تتمتع بالهدوء وتتخلص من التوار والقلق …
مثال …
وأنت سائق سيارتك ، لازم تركز في قيادة السيارة والسيارات الخلفية والمحيطة بك والتي أمامك والزحمة والكباري ، في السماء الجميلة ..ركز في البيئة المحيطة بك ..فلا تشغل بالك بحماتك أو ضيوف سيأتون اليك وكيف نستقبلهم ..أو ميعاد مهم بعد رجوعك البيت وأشياء من هذا القبيل …
لا تجعل الأفكار تطن في أذنيك طنين الذباب وتعشعش في عقلك ..ركز في اللحظة الحالية
فلو جمعت الأفكار التي تأتي إلى دماغك لمدة ثلاث دقائق مثلا . وبدأت تكتبها في ورقة ستجد الورقة امتلأت بأفكار كثيرة منها حدثت في الماضي وخلصت وأفكار في المستقبل والمستقبل بيد الله وستجد كمية الأفكار الحالية قليلة جدا ..وهذا هو المعنى السريع للتيقظ
الخلاصة
استمتع باللحظة الحالية حتي وأنت تعمل القهوة على سبيل المثال …استمع وهي تتدفق ونازلة من ال coffee machine إلى الفنجان بانسيابية ..استمع بلونها الجميل البني ورائحتها المميزة الذكية ..
لا تنشغل بأشياء أخرى وركز فقط في اللحظة الحالية
أيها الإنسان: مهما وترت نفسك وسرعت من خطواتك، ثق تماما لا تستطع إنجاز عمل فوق طاقتك وقدراتك وإمكاناتك
أتمنى أن يكون كلامي هذا جرس إنذار وناقوس خطر يحذرك من التصرفات العفوية اليومية التي تفعلها (وأنت لا تدري) وتودي بك إلى الأمراض النفسية فكن حذر ويقظ !!
تصرفات كثيرة جدا نفعلها بتلقائية وعفوية واعتادناها من البيئة المحيطة بنا ونحن متغيبين وبعدها نتوه في نفق الأزمات النفسية
هل تعلم ؟!
أجدادنا زمان كانوا يعيشون أطول …من 80 إلى 90 عام
لأن أكلهم كان نظيف ونومهم منظم ولم يشغلوا بالهم بأكثر من حاجة … لم يكن عندهم multi tasking ولا سوشيال ميديا …ولاحقد ولا ضغينة ولا مقارنات ولا تشتت ذهني ..كانت القناعة هي القاسم المشترك بينهم وفي تعايشهم
وفي النهاية…
كونوا يقظين وعلى وعي واجعلوا إدارة مشاعركم في أيديكم..واجعلوا كل موقف يعدي بسلاسة وتعمل له control وتقول له صاحبتك السلامة ولا نفكر فيه …
وألف سلامة عليكم ..دمتم في أمان واطمئنان