
الأقنعة المتعددة والوجه الخفي للإنسان
الدكتور امين عبدالخالق العليمي.. يكتب
في عالم يزدهر بالصور الزائفة والكلمات المنمقة، نجد أن الحقيقة غالباً ما تضيع بين القيل والقال، وبين تلميع الأقلام وتزييف الواقع، إن الإنسان بطبيعته كائن متعدد القناعات والصفات، يحمل في داخله تناقضات لا تنتهي، وجه ظاهر يكشفه أمام الناس، ووجه خفي يخفيه حتى عن أقرب المقربين، بين هذين الوجهين، تختبئ قصص متعدده من الخير والشر، من الطهارة والخبث، ومن صور قد تكون لملاك او اخري قد تكون لشيطان
كم من مرة سمعنا عن شخص او عن مسئول ووصف بأنه ملاك يمشي على الأرض، تصور أفعاله وكلماته وكأنها وحي منزل، تملأ الصحف بقصص إنجازاته، وتملاء وسائل الإعلام عنه قصائد المديح، بينما في الخفاء يعيش حياة مليئة بالتجاوزات والظلم
كم من مرة رأينا إنساناً بسيطاً، او مسئولاً قُذفت في وجهه تهم الشيطنة، لأنه لا يملك صوتاً إعلامياً يدافع عنه، رغم أن أفعاله في الخفاء تروي حكاية إنسانية لا يمكن تجاهلها؟
وكمثال ليس واقعاً اوحقيقه الوجه الخفي والعدالة الغائبة:
قد يكون هناك كاتب شهير يُعرف ببلاغته وسحر قلمه، استطاع هذا الكاتب أن يُلمّع صورة مسئول فاسد، صوّره في أعين الناس على أنه المُخلص الوحيد للأمة، فامتلأت الصحف بمقالات المدح والثناء، لكن في الخفاء، كان هذا المسئول يدير شبكة من الفساد، تسحق حقوق الضعفاء،
وعلى الجانب الآخر، كان هناك مسئول آخر اتُّهم زوراً بأنه شيطان يسعى لتدمير الوطن، انهالت عليه الاتهامات من كل صوب وحدب، وامتلأت الوسائل الإعلامية بقصص مُلفّقة عن خيانته، لكن الحقيقة، التي لم تظهر إلا بعد سنوات، كشفت أنه كان يعمل في صمت، يُحارب الفساد ويُعيد الحق لأصحابه، لكنه لم يكن يملك تلك الأقلام المأجورة التي تلمّع صورته،
لذلك الإنسان بين التناقضات يا صديقي، إن الإنسان بطبيعته ليس أبيض أو أسود، بل هو لوحة مليئة بالألوان، تحمل الخير والشر معاً، المظاهر قد تخدعنا، والكلمات قد تُضللنا، لكن الأفعال هي التي تبقى شاهداً على حقيقة الإنسان،
كم من وجه خفي خيّر، عاش مُتهمًا بأنه شيطان، فقط لأنه لم يظهر للناس في الصورة التي اعتادوها، وكم من وجه ظاهر ملائكي، كان يخفي خلفه قناعاً يُداري به خبث النوايا وسوء الأفعال،
رسالتي في زمنٍ أصبحت فيه الأقلام تُباع وتُشترى، علينا أن نتعلم أن ننظر أبعد من الكلمات، أن نحكم على الإنسان بأفعاله لا بصورته، أن نبحث عن الحقيقة خلف الأقنعة، وألا نُسلّم عقولنا للصور الزائفة التي تُصدّرها وسائل الإعلام، فالملاك قد يكون شيطانًا، والشيطان قد يكون ملاكًا، وبين هذين الوجهين تبقى الحقيقة أكبر من أن تُحصر في قوالب الكلمات المنمقة، فالحياة يا صديقي، مدرسة تعلمنا أن نحكم بعقلٍ متأملٍ وقلبٍ مُنصف، لا بعينٍ عابرةٍ ولا قلمٍ مأجور .