قصّةُ موقِف” أسماء والحفرة”

اسماء والحفرة

وقت النشر : 2022/11/14 07:50:31 PM

محمد عبد الحميد.. يكتب

بعضُ الأيامِ تمتازُ عن بعضٍ…. تشرقُ فى نفسِ المرءِ العاقلِ المتأملِ إشراقاً، يتصلُ أثرهُ فى الحياةِ يفيدُها، بل يجعلُ من نفسه – أى أثرُ الإشراقِ فى النفس – جنديًّا مُستترًا يدفعُ عن الإنسانِ بطشَ الأيامِ القاسيةِ، ويقوَى عليها كلّما قرَّ فى نفس الإنسانِ الإيمانُ بالله خالقِه الذى بحكمتِه علَّمهُ هذه الحكمة، والذى نجاه من هلاكٍ محقق
هذا ما أرادت أن تقولَه ” أسماء” صاحبة هذه القصة، حيث أرسلتْ تقولُ:
” ذاتَ ليلةٍ بدرُها طفلٌ، وهواؤها ربيعىٌّ ، ونسيمُها مشبَّعٌ برائحةِ الزّهرِ، فى إحدى قرى محافظة القليوبية، وفى جزءٍ من ثانيةٍ تبدَّلت الحالُ، وتحّول النورُ إلى ظلامٍ، فلا تكاد ترى شبراً أمامك، فقد انقطعت الكهرباءُ، وسكنَ الحراكُ واختفت العزائمُ إلا معى، فأنا فتاةٌ ريفيّةٌ جامعيةٌ يملؤُنى الطّموحُ والأملُ، وكنتُ قد فرغتُ من توِّى من المذاكرة، وهممتُ باستكمالِ قصص الأديبِ الكبيرِ والمحبّبِ إلىّ يوسفُ السّباعىّ التى ضمّها فى كتاب (بين أبو الرّيش وجنينة ناميش)، وبينما أُمسكُ بالكتاب بيدٍ وأهمُّ بالجلوسِ على أريكةٍ خشبيّةٍ قديمةٍ فى بهُو بيتِنا المتواضع، و إذا شعورٌ بالخيبةِ والمللِ يعمُّ البيتَ والقريةَ كلها إذ انقطعت الكهرباءُ فجأةً. فكرتُ فى أن أحطّمَ هذا الشعور ولا أخضع لهذا الملل، وبينما أنا كذلك، خطرتْ ببالى فكرةٌ، هى أن أنفذ وعدى بزيارة صديقتى ورفيقة دربى (نور) وبهذا أُوفِ بوعدى لصديقتى وأيضاً أخرج من هذا الملل غير المعتاد.
أخبرتُ أمّى بذلك، فنهتْنى فى البداية، ليس بسبب الظلام اللافحِ للقرية والمقيمِ بالشوارع فحسب، بل لأن الشوارع فيها حفرٌ قامت به شركة الصرف الصّحى بالمركز؛ لتوصيل بيوت القرية بالشبكة الرئيسية، تماماً مثل المدن، وأمام إصرارى على الخروج نصحتنى أمى بالحذر خشية السقوط فى حفرة من هذه الحفر.
تنقّلتُ على ضوء مصباح هاتفى بين الشوارع على حذرٍ إلى الطريق الرئيسة للقرية حيث كانت تسكنُ على أحد جانبيهِ، حتى إذا كان بينى وبين بيتها قيْدَ بضعةُ أمتارٍ فاجأتْني سيّارةٌ يضربُ كشّافُها الطريقَ أمامى، فلم أستطعْ أن أرى خطوةً واحدةً، فكان أمامى أحد خيارين هما: أن أستمر فى السّير، أو أن أتوقف حتى تمُرّ تلك الستّارةُ من أمامى؛ فأستطيع أن أتبيَّنَ طريقى، فما هى إلا لحظة، ولم أدرِ لماذا توقفتُ؛ حتى تعبر السيارة وهذا هو سببُ إرسالِ قصتى هذه إليك. وهو أنه حينما توقفت فجأةً واقتربت منى السّيارة فنظرتُ بيْنَ يدىَّ فانقبض صدرى وسقط قلبى فى قدمى إذ كنت قاب خطوةٍ واحدةٍ أو أدنى من حفرةٍ عميقةٍ لا يقل عمقُهما عن سبعةِ أو ثمانيةِ أمتارٍ.
فدهشتُ دهشاً وتعجبتُ عجَبًا وحمدت الله وأيقنتُ فى هذه اللحظة أن الكونَ محفوظٌ بقوةٍ لا نراها، وأنا أعيشُ فى هذا الكون، وبدأ يغمرُنى شعورٌ بالسكينةِ والراحةِ وأن هذه القوةَ صادرةٌ عن الله.
فلولا توقفى بغير إرادة منى لسقطتُ فى الحفرة ودُقَّتْ عنُقى، أو انكسرت عظامى إذا بقيتُ على قيد الحياة.
وتذكَرتُ على الفورِ نصيحة أمى وخوفها علىّ، وأيقنتُ أن الكونَ العظيمَ له خالقٌ عظيمٌ ومدبرٌ له سبحانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى