
وجهت لي دعوة حضور لذكرى عدلان دكار قامة من قامات الاعلام بولاية البليدة . حضر عدد معين لتناول سيرة و مسيرة هذا الرجل الذي صوره الجميع كبطل حائز على جائزة الأخلاق الحميدة بدون منازع ، حتى في مرحلة مرضه الشديدة لم يشكو أو يبح لأحد بمصابه وكانت كلمة الحمدلله هي المؤنسة والمخففة لروحه ، حتى أقرب المقربين منه الإعلامي نور الدين أعراب الذي يحكي لنا في تلك الجلسة التذكرية أنه زار المرحوم في بيته وجالسه قرابة الساعتين لكن لم يتناولوا سيرة مرض المرحوم بل تناولوا مواضيع مختلفة ، لم يسمح لنفسه أن يجرح صديقه بالسؤال واحتراما لرغبته بعدم البوح بما ابتلاه الله به والمرحوم لم يسمح لنفسه أن تشكو لأحد بمصابها لأنه أراد النجاح بعلامة تامة في هذا الاختبار النهائي الذي يؤهله لدرجة عليا .
يردف قائلا الإعلامي نور الدين أعراب وعند عودتي إلى البيت سألتني الزوجة الكريمة مابه صديقك من أي مرض يشكو قال لها لم نتحدث في هذا الأمر فاندهشت وتواصلت مع زوجته لتعرف فاندهشت هي الأخرى من الأمر . وهذا مع يسمى الأدب مع الله في كل الحالات أدب المرض واحترام الإنسان لنفسه .
يقول أحد الأصدقاء جمعته الزمالة بالمرحوم :
لن أنسى هذا الرجل ، كلكم مدحتم في الرجل وقلتم عنه كل خير وأنا بدوري قد حصل معي خلاف بسيط معه بسبب أمور معينة ، وعندما كنت سأتزوج كان عدلان أول المهنئين لي وأول الداعمين في زواجي وحتى عندما رزقت بطفل وتوفي في أيامه الأولى وأنتم تعلمون أثر هذا الأمر على أي نفس من النفوس حضر هذا الرجل الكريم دون رفقة من الزملاء لأن من العادة في العزاء يحضر الزملاء في مجموعات لتعزي ، لكن عدلان أتى بمفرده أي أنه لم يكن بحاجة لمرافقة ولم ينتظر أحد وهذا له معنى كبير أنه كان أخ ، إنسان قبل أن يكون زميل يجمعنا نبل المهنة وذلك اليوم قدم لي مبلغاً من المال وعندما رفضت أخذه قال لي هذا مبلغ هدية المولود المتوفي . رغم علمه أنه مات لكن لم يستثنه من هذا الحق حق التهنئة بولادته. أنه ولد وهذه تعتبر سعادة في يوم الحزن .
يردف قائلا ربما أطلت عليكم ولكن المرحوم لم يكن وجهه وجه دنيا بل خلق ليكون حيا بالآخرة .
ويضيف شاهد آخر ويقول : لقد استوقفتني طالبة جامعية من ذوي الاحتياجات الخاصة تسألني عنه فقلت لها رحمه الله ، هذه الفتاة كانت من الأشخاص اللذين أحسن إليهم كانت تحضر لشهادة البكالوريا واجهت صعوبة في فهم مادة اللغة الفرنسية فأكرمها بوقته ودرسها في محل بأحد الأحياء ، واليوم هي طالبة جامعية كرمه تعدى الكرم المادي بل وصل إلى الكرم المعنوي ، عادل دكار كان إنسان بالدرجة الأولى قبل أن يكون زميل مهنة نبيلة .
في هذه الجلسة التذكرية كنت أنصت بانتباه وأسأل نفسي هل يعقل ، ألا يوجد شيء سلبي في هذا الرجل !؟.
ليجيبني عن هذا السؤال الداخلي دكتور من جامعة تيبازة الذي جمعته الصدفة بالمرحوم في أحد الحصص الإذاعية ليقول بحثنا عنه من خلال مسيرته المهنية والحياتية لم نجد له ثغرة ، هذا الرجل كان أشد المتعلقين بأمه تعلقا شديدا في أحد المرات كانت هناك طالبة توفيت والدتها ولم تستطع تجاوز هذا الأمر فطلبت من المرحوم مرافتي لمنزل الطالبة بغية التخفيف عن مصابها الذي فاق قدرة صبرها و تقبلها لعل وعسى تتقبل نصحنا وتقر عينا ونحن نتحدث معها أجد المرحوم يبكي بكاء يشبه بماء الأطفال بالدموع التي تشبه حبات القمح تتساقط الواحدة تلوى الأخرى لم أجد ما أقوله فراق والدته كان صعب وربما رحيله بعد فترة زمنية قصيرة بعد وفاتها هو رحمة الله به لأنه كان يحب والدته كثيراً متعلقا بها أشد التعلق.
يقول علي شعواطي رئيس الجمعية الوطنية كافل اليتيم وهو من أعضاء المرصد الوطني الجزائري أن الإنسان في هذه الحياة ينفعه عمله ماقدم وما أخر والرحمة والصدقة هي الرزق النافع للميت بعد وضعه في قبره والإنسان لايجب أن يبخل عن أخيه بكلمات الشكر والمدح والتقدير. في حياته لأن هذه الكلمات هي التي يحتاجها في حياته الدنيوية وتكون له حافزا ، علينا أن نتعلم من هذه الجلسة التذكرية أن نكون أحسن غرس وأفضل الثمار وأن نترك أثر طيب هذا الأثر هو بصمتنا الأخلاقية ، أن لا نترك في نفوس الآخرين جراحا وأن نسبب لهم عاهات ، أن يكون أثرنا كالأزهار رائحته طيبة تجعل الإنسان يبتسم عندما يتذكرنا ويسعد .
أعتقد أن المرحوم عدلان دكار نجح من خلال زرعه الحسن لتنبيه العقول النائمة أن الإنسان طبيعته إنسانية وحليه الحقيقي الأخلاق و احتياطه الخاص هو صدقة السر (الخبيئة) .