بقلم.. بانسيه محمد فضل
غريق أفكاري
حلمت منذ نعومة أظافري أن أجوب البحار شرقا وغربا، قد يكون هذا لما سمعته عن جدي القبطان من أساطير عن مغامراته البحرية وصولاته البطولية.
كم تمنيت لو رأيته قبل مماته وعايشت تلك القصص على الواقع ،لكن القدر لم يمهلني لأراه فلقد توفي قبل ولادتي .
لكن ما كان يمنعني من تحقيق حلمي خوفي المفرط من الغرق، صار ذلك الخوف يتملكني كلما اقترب أي قارب بي لمنتصف البحر.
كلما نظرت لعمق البحر، أشعر بغموضه وهيبته كأنه لغز محير يصعب حله.
تخيلت الكثير من الأساطير واقعا، كنت أخشى عروس البحر أن تأتيني لتجذبني معها لعالم مختلف تحت قاع البحر، أو لعلها تسحرني بجمالها فأصير مجذوبا لا عقل لي ،تائه بين البر والبحر.
حاولت طوال حياتي البعد قدر الإمكان عن البحر حتى رأيتها، تلك الحسناء على شاطئ الإسكندرية، وكأن مخاوفي عن عروس البحر تجسدت فيها ،فمنذ رأيتها وللوهلة الأولى سلبت راحتي وحكمت قيودها على عقلي وقلبي.
بدت كسارقة محترفة للقلوب استطاعت ببراعة أن تسحرني بطلتها البهية وكلماتها الرقراقة، مرشدة بوكالة سياحية تنظم الرحلات البحرية ،اقنعتني بسهولة أن اشترك معها برحلة بحرية لعمق البحر.
ورغم مخاوفي القديمة التي لم تفارفني، حاولت إخفاءها والتحلي بشجاعة الفرسان لألفت انتباه تلك البهية بل قصصت لها أساطير جدي البحرية وأدعيت أني مثله في البطولة والإقدام وأني في البحر أضاهي الحيتان والدلافين.
وافقت على الرحلة البحرية،كانت الشمس قد انتصفت في كبد السماء ولذنا بنسيم البحر العليل ليرسل برذاذه على وجوهنا المتقدة من حرارة الشمس، بعد مرور ساعة داخل البحر واقتراب اليخت من عمقه ،بدأت أعراض الهلع تصيبني رغما عني ،تصبب جبيني عرقا كشلالات نياجرا، جف ريقي ،تقطعت أنفاسي ودارت بي السماء كأنها أطبقت على صدري حتى أعياني الدوار، لم أشعر بنفسي إلا وقد سقطت في الماء رغما عني وسط صراخ الجميع وهلعهم .
مرت عليّ لحظات تحت الماء كأنها دهر من الزمن كأني صرت فريسة لكل وحوش البحر وأسماكه المفترسة، رغم أنه لم يمر لحظات حتى أنقذني شاب ممن رافقونا بالرحلة.
أفقت بعد دقائق معدودة، فتحت عيني لأشاهد تلك الجميلة بجواري تنظر لذلك الشاب الذي أنقذني بإعجاب وتشكره على صنيعه معي .
تركتني بعد أن اطمأنت على استرداد وعيي ثم مزحت ساخرة :
-لقد أنقذك هذا الشاب ببركة جدك البحار رغم أني أقنعته أن لديك من المهارات ما يمكنك من إنقاذ نفسك لكنه لم يعطي الفرصة للدلافين لتصحبك معها في رحلة بطولية !
احمر وجهي من الخجل ولذت بالصمت منعا للحرج.
وفي نهاية الرحلة وجدتهما سويا يتسامران ويضحكان ،وجلست وحدي سارحا بأوهامي ، تمنيت وقتها لو تركني ذلك الشاب لعل عروسة البحر تنقذني من الغرق بأفكاري .
بقلم.. بانسيه محمد فضل