عباس.. بين ديك رضية ..ورسائل صبيحة
وقت النشر : 2022/12/27 08:15:07 PMقصة علي حداد
الكلمة
الكلمات المظلماة لاتضيء حياتي بل …تطفؤها
الى لميعة عباس عمارة ضحية الحب المفقود وسناء
عبد الرحمن
وبهجت الجبوري وحمودي الحارثي
كان عباس يجلس في حوش الدار بفانلة ضيقة ولباس ابيض عريض ..كان يمسك برسائل صبيحة التي أعطته إياها أم صباح الحفافة وهي تردد
– هذي بلاويك !!
والدتها التي فقدت بصرها جراء < الحفافة> وركضها وراء الشعرة الصغيرة النابتة في ذقن أحداهن ..كان يقرأ ..لكن ديك امه رضية كان يقطع عليه انسيابه مع طيف صبيحة التي قطعت وذبحت ورمي بجثتها في صدر القناة <الرحب> راح يقرا
..كنت ملاذي ياعباس ومصدر حيرتي وقلقي ..وعذابي..
كان الديك يتقافز مثل ارعن..فوق حوض الأوساخ ..فوق الحمام..يدخل الغرف ويدوس على البطانيات المفروشة يلعب على الحبال المنشور عليها الكثير من الملابس الملونة..كانت الرسائل التي بعثها لها ورسائلها التي بعثتها اليه مطوية بين يديه.. يمسك بها برعب وارتباك وكان يرفع رأسه ويحس في صدره ضيقا حين يقرأ
..أعطيت حبك يا عباس لوظيفة سخيفة..وروحك كانت معلقة في دائرة البريد ولم تعطن شيئا منها ..
وصوت جارتهم وفيقة العورة يشق أذنيه وهي تنادي على أمه رضية
– رضية .. رضية..
كانت أمه تمسك بدجاجتها وباليد الأخرى تمسك بسكين المطبخ وهي تصيح بها
– اغربي عن وجهي فديكي لن يخرج اليوم من داري انه يأتي منهكا..متعبا
على حين تدخل وفيقة عنوة ..متوسلة
– عيوني رضاوي والله بس دجاجتي بالكعبة بس دجاجتي …
< احبك ياصبيحة ولا استطيع الخلاص منك .. من يخلصني منك أعطيه عمري>
انتبه مؤخرا إلى حمودي الخبل يجلس إلى جانبه وهو يردد
– احمد أبو النفط متى يخرج من المرحاض ؟
– عنده بواسير
ويتهادى الى سمعه صوت امه هادرا يشق اذنيه
– وفيقة كل الجيران يأكلون بيض بفضل ديكي وحين يأتي متعبا ضجرا يضرب دجاجتي لقد فقأ عينها اليمنى انها توشك ان تموت وهاأنذا اذبحها < والقرعان دا أذبحها متصدكين تعالي شوفيهه بعينج العورة راح اتموت من القهر ..فقأ عينها اليمنى هذا النغل …ابن الكحبة..
راح إحساسه يتطاير هنا وهناك يتوزع بين احاديث حمودي الخبل غير المترابطة وبين رفاسات دجاجة أمه وهي تذبح .. وهذا الديك الذي يبدو فرحا وهو يرى دجاجته رفيقة عمره وهي تذبح..كان مايزال ارعنا
– عباس هذه الدولة مهتمه جدا بالأرصفة ..هل هناك شيء في الاديان نزل بهذا الخصوص .. لماذا لايبنون عمارات سكنية ..لكنهم بالنتيجة سيوزعونها لكبار موظفي الدولة .. والعلماء او لاساتذة الجامعة ..او لعباقرة الاحزاب… ثم يروح يتسأل بفم مفتوح
< كلي احمد ابو النفط مناوي يطلع ؟؟..
سأكتب قطعة
اخط عليها ..
ممنوع الجلوس على كف عفريت..
ويغرق في ضحكة وهو يرفع دشداشته الوسخة ليمسح بها وجهه
< كنت ياصبيحة على علاقة مشبوهة مع شبان المحلة وكانت هذه الأقاويل التي اسمعها هي التي اقعدتني طريح الفراش وليس كما يقول الدكتورصادق علاوي على انها حمى معوية ..انت الحمى ياصبيحة .وستكونين سبب موتي لكني سأحس به موتا جميلا أتدرين ؟
1
فجأة تمنى حمودي الخبل ..وبصوت عال
-اريد ياعباس ان امتلك بيتا فيه سبع حمامات
على الرغم من كل الكلمات المظلمة التي كانت تدخل إلى رأسه لكنه لم يتأخر وراء الانسياق نحو فكرة حمودي الخبل فعباس لم يعي أبدا أن أحدا من إخوته أو أخواته وأزواجهن أو عمومته اواخواله أو اجداده .. كان يمتلك مترا في هذا البلد… فخالته في الصالحية تستأجر غرفتين.. وخاله يستأجر غرفة في منطقة الجعيفر وأعمامه موزعين بين قنبر علي والفضل وجده لابيه كان يستأجر غرفة قرب جامع المصلوب وكان هذا لايؤمن بشيء ..زنديق .. والنسوة يسمونه ب
< يهودي مزلف >
فيوم هرب واحد من احفاده من بين يديه لحقه حتى دخل الجامع فصاح به غاضبا
– < لك لتخليني تالي عمري اطب للجامع !!>
وجده لأمه كان يستأجر غرفة في محلة الذهب وأخواته الثلاث موزعات والأخيرة اسماها والده انتصار لأنها ولدت يوم دخول البسطال الى العراق وكان يظنه المسكين انتصار لنا لكن خراب الملكية كان خراب للعراق واهله
حينذاك انتشلته رسالة غريبة عرف انها للشاعر انيس بن عطا ذاك الذي كان يكتب لأولاد المحلة أكثر رسائل العشق والغرام .. راحت عيناه تأكلان الرسالة
هيا ياصبيحة أذكي الحب ثانية
وعلليني بضم صارم عاري
دعيني انزع عنك الثوب في عجل
وعاجليني بسكين لأزراري
– ماذا بك ياعباس .. أنت ترتجف ..شنو بردان ؟ أي طلع احمد أبو النفط فرجت حتى ظننت أنه لم يطلع
وصوت وفيقة العورة لم يطغ على صوت قلبه الداوي
– < أودي بيدي رضيه والكعبة ورجعه بيدي هو يحب دجاجتي عفية ارو حلج فدوه رضاوي .>
في محاولة منه للهرب من جلده ..تطلع عباس الى الديك الذي كان يقف على حنفية الماء .. كان يبدو شبعانا ريانا ..منتشيا ولم يكن يبدو عليه انه فقأ عين دجاجته اليمنى كأنما كانت < العيعيعو > التي كان يطلقلها تمثل انتصار دائم لفحولته ..
جلس احمد ابو النفط الى جانبه وهو يردد
– هذا الخبل لحوح .. خير عباس انت ترتجف ماذا حدث هل اخبرك الخبل بشيء ؟
كان عباس مستغرقا في جحيم الشاعر أنيس عطا
ورجعت اليوم صبا أتذكر
ذلك الماضي الشقي
كيف يخبو لسع جوع ابدي
عند أبواب صبيحة
فأموت
لم يمت عباس من فوره .. لكنه مات بعد تسعه أيام وقد وجدوا جثته على صدر القناة < الرحب> وكانت الجثة الوحيدة وعلى مدى سنوات التي لم يقطع رأسها .. إذ كان موته قد جاء من الله ..
وهو موت لم يعد العراقيون يألفونه…أبدا
Ailhadad012@gemil.com