بقلم د . صالح وهبة
والمقصود بضبط النفس أن الشخص لا يطلق العنان لرغباته ونزواته ويجعلها تسيطر على تفكيره بل يضع المبادىء والقيم والتعاليم السماوية نصب عينيه .
فيكون متزنا في كلامه منضبطا في أفعاله . منضبطا في كل ما يأتي إلى مسامعه ، منضبطا في كل مايراه ، منضبطا في كل ما يستشعره أو يحسه . منضبطا في كل ما يتكلم به ، منضبطا في كل ما يكتبه. منضبطا في افكاره التي تتصدر إليه من هذه الحواس .
والحكمة تقول : “ليس كل ما يعرف يقال وليس كل ما يقال يكتب ” .
“ضبط النفس “يحوي أمور كثيرة أهمها “ضبط الحواس ” ( السمع والنظر واللمس) كما ذكرت ،
فهي المصدر الرئيس للفكر (والفكر يعشعش في العقل والعقل يألفه فنجد الإنسان يصحو به ويمسي به وينام به) “ملازمه في كل تحركاته وسكونه ” .
وفي علم النفس .. “كل ماتفكر فيه ينجذب اليك” ،
لكن في النهاية أنت المسيطر ، أنت الذي في يدك الدفة . لأن هذه الأفكار تتحول كلمات والكلمات قد ينطق بها وأحيانا تكون صامتة وتقرأها العيون ، والكلمات في كلتا الحالتين قد تتحول أفعالًا تصل إلى الاعتداء والانتقام والسرقة والافعال الفاضحة .
إذن يجب أن تضبط المصادر التي تجلب لك هذه الأفكار ، اضبط سمعك، اضبط نظرك، اضبط كل حواسك . وفي مقالي هذا سنتحدث عن كل هذا بالتفصيل
أولا : ضبط اللسان
زن الكلمة بميزان حساس قبل النطق بها لأنها لوانطلقت لا ترجع كالرصاصة .
زن الكلمة من حيث هي صح أم خطأً ، مدى تاثيرها على الآخرين ، ردة فعلها ، نتائجها.
لأنها لو غادرت لسانك وتركت جرح، فمهما تعتذر عنها، أثرها باق ولا تنسى ، صاحبها يموت وهي تبقى . لا تتكلم عن كل ما يأتي على فكرك من كلام .
والحكمة تقول :اجعل يارب حافظا على لساني ، وبابا حصينا لشفتاي “.
ثانيا: “ضبط الفكر”
إذا تحرك الغضب في فكرك ، لا تجعله يتطرق إلى لسانك .
تحكم في أفكارك فمثلا تأتي لك فكرة وتكتب عنها “مقال” وتقول في نفسك “فكرة المقال هاتعمل ضجة” وبعد ذلك ينشر المقال في جريدة أو مجلة وتلاقيها ممكن تنقلب عليك وتعمل لك ” رجة” وليس “ضجة “، رجة في الفكر ، رجة في المخ ، رجة في السمعة لأن كل كلمة مكتوبة أنت مسؤول عنها فالشيء الذي في “الفكر “مختبيء والذي “يقال” الناس تسمعه وممكن تنساه لكن الذي “يكتب “يكون وثيقة ضدك .
اضبط أفكارك قبل أن تضبطك أفعالك .
تعلم الانضباط من الطبيعة فشاطئا النهر لا يحدانه بقدر ما يضبطان المياه حتى لا تتحرك يمينا أو يسارا .
اضبط نفسك حتى ساعة الغضب أو ساعة ما تكون سعيد والحكيم يقول : لا تتخذ قرار وأنت غاضب ولا تعط وعودا وأنت سعيد .
حتى في العطاء والأخذ فلا تكن متاحا طول الوقت ، حتى في العلاقة مع الآخرين تكون منضبط فلا تنكب “مش كل عسل حلو” .
تجرع بالمعلقة فليس كل ما يلمع ذهبا .
حتى في الأكل .. فلا تجعل شهوة الأكل توثر على صيامك، بالعكس الصيام فيه إراحة للمعدة علاوة على أنه يقربك الى الله .ففي الإنجيل ” الصوم والصلاة يخزيان الشيطان ” وفي القرآن الكريم في قوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون “.
وفي النهاية ..
عزيزي القارئ :
اضبط ذاتك قبل ان تضبطك لذاتك .
اضبط ذاتك قبل أن تضبطك نزواتك وشهواتك .
اضبط نفسك قبل أن تضبطك عدالة السماء .
اضبط نفسك قبل أن تضبطك الناس .
اضبط نفسك قبل أن يضبطك الخجل من كل فعل رديء .
والحكمة تقول :
ضابط نفسه خير ممن يحكم مدينة.
نسأل الله العلي القدير آن يمنحنا نعمة الانضباط والاتزان في حياتنا ويهبنا فضيلة إنكار الذات لكي نفكر في اراحة الناس قبل أنفسنا ونعرف متى نتكلم ومتى نصمت كي ننعم بسلام داخلي يسكن فينا .