دين.. لا أديان
وقت النشر : 2022/12/27 08:12:33 PMبقلم: ماهر اللطيف
أتممنا ذات يوم صلاة المغرب خلف إمام الخمس في جامع الحي على أكمل وجه والحمد لله، ولم يغادر احد من المصلين المكان في انتظار شروع إمام الجامع في شرح حلقة درسه الديني اليومي الممتدة ما بين المغرب والعشاء.
فجلس المصلون قبالة الإمام ينتظرون حديثه الممتع الشيق الذي ينزل على النفس البشرية بردا وسلاما كما نقول إلى أن استوى وابتسم في وجوهنا وقال بصوته الرصين الواثق من نفسه ومن قدراته وامكانياته :
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الحضور الكريم (والكل يرد السلام بأحسن منه قبل أن يردد كلمة آمين خلف كل دعاء ينطق به المحاضر في استهلال خطابه). في البداية أردت أن أسألكم سؤالا بديهيا وبسيطا حسب اعتقادي (والكل منتبه)، كم توجد من ديانة على الأرض؟ او لنقل ما هي الديانات السماوية؟ فنحن هنا لن نتطرق إلى تلك الديانات الوضعية مثل ديانة الهند وعبادة البقر وغيرها من الديانات المشابهة ؟
– (شاب متحمس) كثيرة يا شيخنا
– (ضاحكا ومشيرا له أن يتم حديثه) اذكرها بني
– (شيخ غاضب) ليست كثيرة، بل هي ثلاث ديانات اليهودية والمسيحية والإسلام
– (الإمام مبتسما وناظرا في اتجاه الشاب) هات الديانات السماوية بني
_ (الشاب وقد احمر وجهه) هي كما ذكرها الشيخ إمامنا، أتباع التوراة والإنجيل والقرآن، وهي جمع لذلك قلت كثيرة
– (الإمام متوجها بحديثه للجميع) هل من إجابة أخرى؟هل توافقون هذا الرأي؟
فكانت الإجابات جميعها تقريبا تصب في نفس المصب حيث رأى المصلون إن الديانات السماوية ثلاث اختتمها الاسلام، إلا شخص واحد – وهو كهل يبدو أنه تجاوز الثلاثين او الاربعين من عمره، وهو حديث العهد بيننا وكذلك السكن في حينا – قال بنبرة الواثق من نفسه وشيخ في آخر الصف يدعمه ويؤيده وهو يردد “هذا الصواب يا سادة، نعم هذا هو ، الدين واحد لا غير، نحن مسلمون لا نعترف ولا نعرف غيره” :
– (الكهل) الديانات السماوية واحدة لا غير، انطلاقا من قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 19 “إن الدين عند الله الإسلام”
– (الإمام وقد علت محياه البهجة والسرور) إذن ماهي اليهودية والنصرانية ؟
– (الكهل مبتسما وبصوت أعلى) أولا كتبهم اسمهما كما ذكر الإخوة التوراة والإنجيل وهي شرائع وكتب سماوية وليست ديانات، فالدين الوحيد هو الإسلام، وقد قال الله تعالى في سورة المائدة في الآية 48 “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا”
– (الإمام متحمسا) وما الشرائع؟
– (الكهل ضاحكا) تختلف الشرائع من حيث الحلال والحرام والتنظير والفعل وغيرها
– (الإمام بعد أن استوى في جلسته) نعم أخي، هذا هو الصواب، والذي أردت أن اصححه للاغلبية التي تعتقد أن الديانات السماوية ثلاث. لكن، لنرجع إلى كلمة شريعة وهي مفرد شرائع، ماذا تعني هذه الكلمة؟
فالشريعة لغة هي مورد الماء الجاري الذي يعده الناس لسقي دوابهم ومنه قول العرب “شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء”. قال ابن فارس “الشريعة، وهي مورد الشاربة للماء، واشتق من ذلك الشرعة في الدين والشريعة” .
كما قال ابن منظور “والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدا لا انقطاع له، ويكون ظاهرا معينا لا يسقى بالرشاء”
– (احد المصلين المسنين في العمر ويبدو انه لم يفهم حديث الإمام جيدا) هات المفيد شيخنا وبسط لنا الحديث لنفهمه جيدا أرجوك (الكل يضحك ويقهقه)
– (الإمام يمسح عينيه من دموع الضحك) صدقت أخي، لك الحق فيما ذهبت إليه فهو حديث انشائي بالنسبة للعديد منكم. المهم،الشريعة ما شرعه الله لعباده من العقائد والأحكام، والشريعة طريقة ومنهج، أي بالعامية (وينظر إلى مخاطبه) قانون ونظام وطريقة عيش وعبادة.
– (الكهل الغريب عن الحي) إذن فكل الأنبياء والرسل دينهم واحد وهو الإسلام
– (كهل اخر يجانبه الجلوس) فلماذا سميت اليهودية والنصرانية شيخنا؟
– (الإمام بروية) اليهود والنصارى هم الذين سموا أنفسهم بذلك ولم يسمهم الله سبحانه وتعالى نصارى او يهودا، فقال تعالي في سورة المائدة اية14 “ومن الذين قالوا إنا نصارى” وفي البقرة 135 “وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا”.
– (شاب آخر) وما دين الأنبياء والرسل من قبل الإسلام؟
– (الإمام) الأنبياء والرسل قالوا إنا مسلمون، حتى فرعون قال حين ادركه الغرق “قال آمنت انه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين” (يونس 90).
– (كهل أخر بجدية) وما دليلك فيما كنت تقول؟
– (الإمام مبتسما) وفيما يلي ساعرض عليكم آيات تدل على أن الدين واحد وهو الإسلام وليس ثلاثة كما قلتم في البداية :
فقد قال نوح نبي الله عليه السلام “فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن اجري إلا على الله وامرت ان اكون من المسلمين ” ( يونس72). وقال نبي الله ابراهيم عليه السلام لبنيه ” ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون” (البقرة 132).
وقال يوسف نبي الله عليه السلام” توفني مسلما والحقني بالصالحين ” (يوسف 101).
وقال موسى نبي الله عليه السلام “وقال موسى يا قوم إن كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين” (يونس 84).
وقال عيسى نبي الله عليه السلام” فلما احس عيسى منهم الكفر قال من انصاري إلى الله، قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون” (آل عمران 52).
اما الآية الجامعة لكل الأنبياء والمرسلين التي يقرون فيها بأنهم مسلمون فهي” قولوا امنا بالله وما انزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون” ( البقرة 136).
وجاء سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين خاتم النبيين والمرسلين يحمل الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى دين الإسلام أيضا ولكن بمنهج مكمل وجامع لكل الشرائع السماوية.
فكل من آمن بالله ورسله ونبييه فهو مسلم ويشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله
ثم واصل استعراض درسه الممتع وتناول فيه شمولية الشريعة الإسلامية ونظرتها الثاقبة لكل الأمور في كل الحضارات والعصور وقدرتها على تسيير الشأن العام والخاص متى أحسنا الإيمان بها والعمل بفحواها وقواعدها وقوانينها وغيرها من الأمور ، إلى أن حل موعد صلاة العشاء.