حنان عبد الكريم تكتب.. المساكنة في ميزان الشريعة الإسلامية
وقت النشر : 2024/02/05 04:40:57 AMالمساكنة في ميزان الشريعة الإسلامية
الدكتورة حنان عبد الكريم.. تكتب
الأسرة عماد المجتمع المسلم، والزواج أساس وجودها ودائما ما يجد المحاولون لهدم المجتمع المسلم من العلاقات الأسرية مدخلا، ولكن هيهات فالشريعة لم تترك صغيرة ولا كبيرة في الشؤون الاسرية إلا وضبطته بما هو صالح لكل الأفراد وكل زمان ومكان.
ومن المصطلحات التي ظهرت مؤخرا، المساكنة ويقصد بها: مشاركة الرجل والمرأة العيش معا بدون زواج مع قيام علاقة زوجية بينهما في غير الإطار الشرعي بكل ضوابطه.
لقد أوضحت الشريعة الإسلامية طريقا واحدا لعلاقة الرجل بالمرأة وحددتها في إطار الزواج الشرعي بمفهومه وشروطه المتعارف عليها والمستمدة من الكتاب والسنة، وكل من خالف هذه العلاقة فهو حرام قولا واحدا، مع اختلاف مسمياته، سواء زواج عرفي، او مساكنة، أو زنا، أو فاحشة، أو تعارف إلى غير ذلك من المصطلحات التى لا نهاية لها؛ بقصد إفساد العلاقة بين الرجل والمرأة وجعلها خارج النطاق الشرعي بأي وسيلة كانت بدعوى التحضر والمعاصرة.
والزواج شعيرة من شعائر الإسلام التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعظيمها؛ لقوله تعالى: “ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”.
وقد رغب الاسلام في الزواج بصور متعددة الترغيب.
فتارة يذكر أنه من سنن الانبياء وهدى المرسلين، وأنهم القادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهداهم: “ولقد أرسلنا مرسلا رسلا من قبلك، وجعلنا لهم أزواجا وذرية” سورة الرعد آية 38 .
وأخرج الترمذي عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أربع من سنن المرسلين: الحناء، والتعطر، والسواك، والنكاح”. وتارة يذكر في معرض الامتنان قوله تعالى: “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات” سورة النحل آية 72 .
عن توثيق عقد الزواج فقد دلت السنة على وجوب توثيقه بالشهادة، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”، وقد أخذ بهذا جمهور الفقهاء، أي أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، والعلة في وجود الإشهاد على الزواج واضحة في كونها تدل على إشهاره وإعلانه عن طريق النقل والتسامع بين الناس مما ينفي التهمة ويحفظ حقوق الزوجة والأولاد، ودفع احتمالات الإنكار. وإذا كان التوثيق بالشهود سببًا لإشهار الزواج وإعلانه فإن توثيقه بالكتابة سبب أيضًا لإشهاره وإعلانه.
ومن ثمرات توثيق النكاح وإعلانه: حفظ العقد المكتوب مدة طويلة وغير محدودة، ومنها سهولة الرجوع إليه عند النزاع مما لا يتوافر في الشهود، ومعرفة الأمة لتاريخها وتسلسل أجيالها، وحفظ أنسابها، ناهيك عما يستلزمه تخطيط تنميتها واقتصادها من توثيق زيجاتها.
فالإلزام بتسجيل عقود الزواج هو من “باب السياسة الشرعية” التي يمكن لولي الأمر إلزام رعيته بها لما يراه في ذلك من مصالح، والتوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية؛ خشية الجحود وحفظًا للحقوق، وحذرت من مخالفته لما له من نتائج خطيرة من النكران.
والزواج الصحيح شرعًا: هو ما اجتمعت فيه شروط الصحة، وانتفت عنه موانعها، فإذا كان الزواج قد حصل بدون علم الولي وموافقته فهو باطل على الصحيح خلافًا للحنفية الذين لم يشترطوا وجود الولي في الزواج؛ وذلك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ … ” . فالواجب أَن يفرّق بين الرجل والمرأة، ويفسخ العقد لبطلان هذا النكاح، فإن وافق الولي على زواج هذا الرجل من تلك المرأة بعد ذلك، فليكن بعقد جديد بعد ما تستبرئ المرأة، إن كان هذا الرجل قد وطئها.
وإذا اكتملت الشروط المطلوبة لصحة النكاح إلا أنه لم يحصل إعلان وإشهار له، فإن كان ذلك عن غير تواطؤ من الأطراف المعنية فهو صحيح، وعليهم أن يعلنوه ويشهروه؛ ليبتعد عن مشابهة الزنا في صفاته. أما إن كان عدم الإشهار حاصلًا عن تواطؤ، فإن النكاح مختلف فيه بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يفسخ لمشابهته للزنا من حيث التواطؤ على الكتمان. ومنهم من قال: إنه صحيح لا يفسخ لتوافر شروط الصحة فيه، فهو مثل ما لم يحصل فيه تواطؤ على كتمانه.
أما المساكنة فما هي إلا زنا؛ لكونها خالية من شروط صحة الزواج وأركانه ومخالفة لصورة الزواج الشرعية، إضافة لكونها وسيلة لضياع المرأة والأطفال إذا نتج عنها ولادة أطفال، وسواء المساكنة أو غيرها من المصطلحات التى جدت في مجتمعنا أو لم تستجد بعد فكل ما هو خارج إطار الزواج بشروطه وأركانه من الشهود والإعلان والتوثيق فهذ يعد باطلا، سواء تعلل الداعون لهذه الأمور بالحداثة والتطور والحرية أو غيرها.
ولا يخفي على عاقل براءة الحداثة والتحضر والمعاصرة من هذه المفاهيم الدخيلة عليها، فالمعاصرة والحداثة والتطور ما هم إلا منهج شريعتنا الغراء التي هي صالحة لكل زمان ومكان.
ومؤخرا رأيت دعوات عديدة ترغيبا في المساكنة سواء من المشاهير وغيرهم، في محاولة منهم لتصديرها على كونها بديل للزواج الشرعي، فانتبهي أختي المسلمة وأخي المسلم من هذه الدعوات المغرضة وسلاحنا تعاليم الإسلام التي بامتثالها نسود الأمم خلقا واقتصادا، قال تعالى: “يأيها الذين ءامنوا خذوا حذركم” سورة النساء آية 71. والله أعلى وأعلم