أخطر قرار في حياة الإنسان ، موت أو حياة، سعادة أو شقاء، هناء أو ابتلاء، هو قرار الاختيار الصحيح والمناسب لشريك الحياة،
وإليكم أهم الأعمدة التي يبنى عليها هذا الاختيار عندما تتقدم لفتاة لطلب يدها من والديها، وهذه الأعمدة هي التي يبنى عليها عش الزوجية وتحميه من التصدع والانهيار وتجعله دائما في استقرار وازدهار :
(١) اعرف نفسك (من أنت ؟ حتى تعرف من يناسبك )
“توضيح”….
للأسف أصبح القاسم المشترك للشباب عند التقدم لفتاة هو الانبهار بالشكل الخارجي والعقل في إجازة مفتوحة والعاطفة هي التي تعمل عمل العقل…
(العاطفة هي المسيطرة دون حسابات للعقل )
التسرع والاندفاع وتغميض الأعين عن الأخطاء بالإضافة إلى المعتقدات الخاطئة مثل (ظل رجل خير من ظل حائط ..خشية أن تكبر وتعنس وقطار الزواج يفوتها …نريد أن نفرح ونرى أولادك .. ..) وتكون نتيجة هذا الاختيار السريع دفع فاتورة غالية الثمن من النكد والخلافات والمشاكل ..
واللافت للنظر ..الانسان غير الناضج يقع في الحب fall in love ومن أول نظرة يتكعبل لأن عواطفه ” كما ذكرنا” هي التي تقوده ..
وغالبا هذا الحب الاندفاعي له أخطاء جسيمة (لأن نتاج ما تم تخزينه من الأفكار المترسبة في العقل اللاواعي عن الحب )
هذا الحب إعجاب بالشكل الخارجي فقط (جمال المرأة الخارجي ووسامة الرجل )
لكن الحب الحقيقي غير ذلك ..
الحب الحقيقي هو الذي يحدث توازن بين العاطفة الجياشة وبين العقل المرشد بين دواسة البنزين وبين الفرامل حتى تعبر مركبة الزواج بسلام ضد مطبات الحياة ..
هذا الحب المندفع، عمره قصير لأنه ليس له عمق أو أصل ثابت وأقل رياح تحركه كيف تشاء وممكن ترديه أرضًا ..
لكن الإنسان الناضج تجده يخطو خطوة نحو الحب step to love…
يستخدم عقله وقلبه معا
ولكن ليس هذا يعني إهمال الشكل الخارجي بل لا يكون هو بؤرة الاهتمام بل يكمل ويتوج بأمور أخرى مثل (التوافق في المستوى الفكري والثقافي والاجتماعي والمادي والوجداني …)
لابد أن يكون الحب بالقلب مع العقل الذي يضبط العواطف المندفعة ..
يجب أن نعي جيدا أن : (جمال الشكل يغيره الزمن لكن جمال الروح باق مهما طال الزمن ) .
يجب أن تتريث في الاختيار لأنها “عشرة عمر ” (الزوجة ممكن تعيش مع زوجها أكثر مما عاشت مع والديها )..
الوقوع في الحب falling in love يعني الإصرار على تنفيذ المسيرة رغم كل التحذيرات ..عبارة عن انبهار وإعجاب..حب نزوات ورغبات تسيطر على الشخص دون حسابات لما سيحدث مهما كانت النتائج والسلبيات ..
فهذا الحب لا يكفي ومصيره السقوط دون ارتداد
اعرف ظروفك وامكانياتك حتى تختار ما يناسبك بالعقل (لا وألف لا للتسرع والانبهار ) ..
كيف تشتري سيارة وأنت لا تملك حق البنزين والصيانة ؟!!..
اعرف نوع شخصيتك (قيادية ..اجتماعية .. هادئة ..محبة للكمال ..بسيطة ..ديكتاتورية..
فكاهية ..تميل للانعزال ..ناقدة .. هل شخصية متفتحة تميل للخروج والفسح والرحلات أم شخصية كسولة ..)
اعرف حالتك المزاجية (هل سريع الغضب..كثير الاعتذار .. كاريزماتي .. متشدد ..)…. كن أمينًا مع نفسك حتى تختار العباءة المناسبة التي تكون على مقاسك والتي تريحك ولا تعمل لك حساسية في جسمك عند لبسها فلا تنبهر بلونها وشكلها الخارجي بل اختر المناسب الذي يريحك نفسيا وجسديا وتكون مناسبة لك وعلى هواك ومقاسك ….
اعرف نفسك ..هل طموحاتك ( مادية ..أم علمية أم ثقافية.. )
اعرف نفسك وافهمها جيدا حتى تفهم غيرك وتختار ما يتوافق معك حتى لا تدخل بعد ذلك (بعد الزواج ) في دوامة التوقعات (expectations ). وتقول : (كنت متوقع عندما أكون عصبي تحتويني …و… و. ….)
اذن..الأرجل التي ترتكز عليها مائدة التقدم لشريك الحياة هي
العقل ..القلب ..موافقة الأسرتين..ثم العناية الإلهية وهي المظلة التي تحمي هذا الاختيار وتصونه ..
لان القلب فقط يختار ما تستحسنه العين والعقل فقط يجعل الحياة جافة ولكن عندما يتوافق العقل مع القلب تكتمل الحكمة ..
اختر بعقلك وقلبك ما يناسبك في (الفكر والثقافة والتربية والمستوى الاجتماعي والمادي والتعليمي والطباع ) وكلما اقتربت هذه الفروق من بعضها البعض وقل التباعد بينهما كلما كان الزواج ناجح ..
صحيح لا يوجد كمال (الكمال لله وحده )
لكن إذا كانت الفروق بسيطة، فإن الحب الذي يحمل معه الاحتمال والاحتواء قادر على إذابة هذه الفروق ( الأمور تعدي والخلافات تنتهي ..)
كن على يقين ..المرأة الفاضلة ثمنها يفوق اللآلي فهي التي تأتمنها على بيتك ..على أولادك ..على سمعتك ….ولا تنسى أن “وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة”
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو ” كيف تتأكد أن قطار الاختيار يسير في مساره الصحيح بدون انحدار ؟”
للإجابة على هذا السوال يجب توافر الآتي:
(١) ..”الثقة ”
عدم التخوين ..عدم المراقبة ..عدم الشك ..مثل (كنت فين ..كنت بتكلم مين ..تفتيش في الموبايل .. وكل ماشابه ذلك وما ينم عن عدم الثقة ) كل هذا يعطي إشارة حمراء عن الاختيار ..
(٢) “الاحترام”
احترام متبادل ..لا إهانة ولو بالمزاح الذي يقلل من قيمة شريك أو شريكة الحياة .
يحضرني في ذلك قصة شاب “تم فسخ الخطوبة “بسبب أن الخطيبة سخرت من خطيبها هي تعمل مهندسة وهو يعمل محاسب وكانا مدعوين لحفلة زفاف أحد أقارب الخطيب، وكانت القاعة ممتلئة أعمدة فقال الخطيب لخطيبته : ما كل هذة الأعمدة ؟ كان المفروض يتم بناء القاعة بدون أعمدة، فنظرت اليه خطيبته بسخرية وقالت : ( أنت عايزها تتطربق فوق دماغك!! )
صحيح هذا الكلام بقصد المزاح لكن صعبت على الخطيب نفسه وشعر بعدم الاحترام وشعر بالقلة أمامها..
صحيح ممكن تعدى وتوخذ على محمل “هزار ” لكن للأسف كان هذا سبب في إنهاء الخطوبة لأنها كانت كل يوم تعليق على ( لبس ..على تصرف ..على كلام …)
فالألفاظ التي تؤلم وتجرح من أمامها ولو بالهزار ممنوعة إطلاقا…
على رأي الحكيم (يوجد من يهزر كطعن السيف، أما كلام الحكماء فشفاء)
اذن ..أي كلام سخرية مغلف بالهزار أو من غير هزار، ممنوع قطعا …
(إذا كان هذا يحدث أثناء فترة الخطوبة والتي في هذه الفترة، كل واحد يحاول يجمل نفسه بقدر المستطاع ويذكر محاسنه ومميزاته ويفتخر أمام الطرف الآخر بها، فما بالك عندما يكونان أزواج وتنكشف الأمزجة والطباع وكل ماكان مختبئ يظهر على حقيقته ؟!
(٣) “الصدق”
لاكذب ولا تحوير .. فما تخفيه اليوم ستكشفه الأيام فيما بعد .. الأيام هي أعظم جهاز لكشف الكذب .. كن صريح ولا تعطي نفسك عمل أنت لا تعمله أو فضيلة أنت لا تتصف بها أو حاجة غير موجودة عندك وتنسبها إليك ..
(٤) ..”الندية ”
لا تفوق لأحد عن الآخر .. الرجل ليس أفضل من المرأة بل كل منهما يكملان الآخر ..(فلا يقول الرجل : أنا رأس المرأة، والمرأة تقول : أنا الرقبة التي تحرك الرأس وألعب بها كيف أشاء عندما يضايقني..
الرجل يعتبر المرأة تاج فوق رأسه، لأنه من غيرها تهرب الابتسامة والبهجة والبيت يصبح كئيب..
من سمات الزواج الناجح، أن لا يكون تعالي ولا تداني ولا فوقية بين الزوجين
(٥) “حربة الرأي واتخاذ القرار”
حرية اتخاذ القرارات الشخصية في الوضع المسموح به (الوضع المقبول ..
الابتعاد عن القرارات الصارمة المشددة زيادة عن اللزوم ..
أنتما في فترة الخطوبة كدوائر مشتركة وليست متطابقة بمعني نوجد مساحة مسموح بها من الاستقلالية للطرفين في اللبس في حرية الرأي، في احترام رأي الآخر والاستماع له (بحيث لا يؤثر ذلك في العلاقة بين الطرفين )
لكن في فترة الزواج تبدأ هذه الدوائر في التقارب من بعضها البعض حتى تصبح في مرحلة التداخل المقبول ..
لكن !!
ليس معنى إنك تزوجتها تكون قد اشتريتها وتتحكم فيها في كل كبيرة وصغيرة، أو هي تزوجتك لكي تسيطر وتتحكم فيك..
اعلم جيدا ..
كلما أحببتها، كلما تجد نفسك تلقائيا تركت لها مساحة تتحرك فيها …وكلما هي أحببتك كلما رجعت إليك لتتشاور معك في كل كبيرة وصغيرة ..
لكن سيطرة وتحكم، هذا أمر غير مقبول ويفسد العلاقة بينكما
(٦) “عدم القسوة”
المحبة والرحمة بين الطرفين (لا شدة ولا قسوة ولا حرمان ولاعقاب ولا خصام )
وللأسف بعض الأزواج يتخاصمون لبضعة أيام!!
(٧) ..”الإحساس بالأمان ”
أن أشعر بالاطمئنان والأمان مع الشخص الذي أختاره ليكون شريك حياتي (لا تهديد بالترك والفسخ وإنهاء العلاقة)…
استخدام بعض الألفاظ مثل : ( مش نازل معاكي أو مش نازلة معاك …خد دبلتك …كل هذه التهديدات تهدد الارتباط وتعجل بنهايته )
(٨) “الاعتذار ”
الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه (لا لوم ..لا شتيمة ..جبر الخواطر وتطييبها …)
لكن لو الطرف الآخر (متعجرف ..شتام ..لوام ..صوته أو صوتها عالي ..كلام قاسي ..كثير النقد ..ليس عنده أو عندها استعداد للاعتراف بالخطأ ..كل هذه مؤشرات خطرة لعدم استمرارية الارتباط ..
(٩) “الإخلاص “..
لا خيانة في الخفاء ولا في الخيال …
الخطيب الذي موبايله مكتظ بالصور الخليعة أو الأفلام الإباحية .. أو يتكلم في الموبايل مع فتاة ومنهمك معها في الكلام مثل ( أبوه ياروح قلبي .. نعم يانور عيني .. وما شابه ذلك من العلاقات المنفتحة أو المتبسطة …) وخطيبته بجواره مثل خيال المآتة (دون حساب لمشاعرها ) ويتوهم في ذلك أنه ولد حبوب أو يتفاخر بهذا .. ويبرر موقفه بأن الذي يكلمها مثل أخته …هذا خطأً جسيم ينذر بعدم استمرار العلاقة ..
خطيبتك ليست جالسة بجوارك زينة أو ديكور !!
بالعكس هي “معلن بين ربوة”
والعكس ممكن يحدث بأن الخطيبة عندما ترى شاب تعرفه (تتنطط وتخبط وتقول كفك على كده …وما شابه ذلك ..)
أو مدعوة لحفلة أو عزومة أو فرح وهي متبسطة ومبسوطة ومنهمكة في الضحك واللهو والهزار مع الشباب والشابات دون علم خطيبها ..هذا وضع مقزز للغاية ..
(١٠) “أنا زي ما أنا”
انا بطبيعتي ..لا يمكن أن أغير من نفسي بالعافية ….أفصح عن مشاعري بكل صدق ….
عيوبي أمامي مكشوفة والشخص الذي أرتبط به قابلني على هذا الوضع ..
ومزاياي أيضا مكشوفة أمام الشخص الذي أرتبط به وقابلني على ذلك ..
لا قابلني على مضض ولا أنا فارضة نفسي عليه ..
“أنا حقيقية زي ما أنا “
الخلاصة ….
إن لم يبن الرب البيت فباطلا يتعب البناؤون …
بمعنى : البيت ليس طوب وزلط وأعمدة فحسب، البيت ليس في مظهره فقط، البيت لا بد أن يتوج بالأخلاقيات ويسيج بالحب والاحترام ..
فما أكثر القصور المرهفات الشاهقات، لكنها تحوي بداخلها النكد والشجار والخصومات ..
وما أكثر العشش التي تجمع بداخلها المحبة والوفاء والأحضان الدافئات …
فليس كل ما يلمع ذهبًا ، فالجمال قد يحمل داخله أنانية وفجور …والغنى يخبئ بداخله الطمع والجشع والغرور .
لكن الفضيلة وسط (لا غنى فاحش يوذي صاحبه ولا جمال صارخ يتعب حامله ..)
ثق تماما ..لا يوجد شيء اسمه “الأحسن ” the best في كل شىء، فالكمال لله وحده
لكن الصح أقول : أختار أكثر واحدة تناسبني، أو أختار أكثر واحد يناسبني
فمثلا : انبهرت بلون “تي شيرت ” في فاترينا وأعجبت به جدا لكن ليس مقاسك وشعرت أن قماشته غير مناسبة لك وممكن تعمل لك حساسية في جسمك مع الوقت..
اذن ليس اللون فقط هو الذي يجذبك ويغريك ، لكن اللون يكون أحد الصفات ولا يكون الغاية الوحيدة في بنود اختيارك .
وفي النهاية…..
كل ماسبق يتلخص في الثلاثة قاف (مجتمعة معا )وهي القبول ..التوافق …الصدق .
“توضيح أكثر”
“القبول” ..أن يكون فيه جاذبية وقبول بين الطرفين
فالحب هو الكهرباء أو الطاقة التي تعطي مونوريل الاختيار انطلاقة إلى الأمام نحو غد مشرق ..
“التوافق ” هو الشريط الذي يسير عليه مونوريل الاختيار الصائب لشريك الحياة ..
“الصدق ” هو صمام الأمان والمادة الحافظة لسلامة هذا القطار …
توج الله اختيارك بالحب والوفاق والوئام