كل منا في هذه الدنيا يتمني الراحة التامة والسعاة الكاملة،
ولكن هيهات هيهات .. فهذه الدنيا ماؤها مالح، كلما ازددت شربا منه ازددت عطشا، فالكل يلهث وراء سراب وفي النهاية المحصلة صفر .
فالذي يقطن في الصحاري وعلي أعالي الجبال يشكو مر الشكوى من تلوث الماء، والذي يسكن في أرقى الأحياء حيث المكيفات وكل وسائل المعيشة المترفهة، يشكو من عسر الهضم والسمنة والسكر والضغط، والملياردير الذي يسكن في أفخم القصور، وكل ما يحلم به متاح، يشكو من الملل والخوف من الأماكن المغلقة ومن الوساوس والأرق والاكتئاب الذي عادة ما يقوده إلى الانتحار ، والذي يملك الصحة والمال والزوجة الجميلة يشك في سلوك زوجته ولا يعرف طعم الراحة، ونجم السينما المشهور يصبح عبد وأسير للمخدرات التي تدمر حياته، وبطل المصارعة يصيبه تضخم في القلب نتيجة تضخم العضلات، والمالك المسيطر المتحكم في مصائر الناس نجده عبدا لشهواته ذليلا لنزواته .
عزيزي القاريء :
لا تستغرب ..فلو أدركت الحقيقة لعلمت أن كل شيء تحت السماء مقنن وبحساب دقيق ، فالكل يخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم مايبدو في الظاهر غير ذلك، فبرغم غنى الأغنياء وفقر الفقراء لكن نصيبهم من السعادة متقارب لأن الله عادل بعوض بقدر ما يحرم وييسر بقدر ما بعسر .
” عدالة السماء”
لو دخل كل منا قلب الآخر، لأشفق عليه ولرأي عدل الموازين الباطنية برغم مايراه من اختلال الموازين الظاهرية وما شعر بحسد ولا حقد ولوجد أن الزخارف والقصور والجواهر والحلي واللآليء ماهي إلا مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب وفي داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات والأوجاع والأهات الملتاعة، فالحاسدون والحاقدون والمغترون مخدوعون بالظاهر غافلون عن الحقائق، ولو أدرك السارق هذا ما سرق ولو أدرك القاتل هذا ما قتل ولو عرف الكاذب ما كذب ولو تيقنا في الأمر وخلونا إلى أنفسنا لطلبنا الدنيا بعزة النفس ولأصلحنا من ضمائرنا وعشنا حياة الفضيلة .
القاسم المشترك
في الحقيقة لا غالب ولا مغلوب في هذه الدنيا، فالشقاء ليس لفئة معينة إنما هو قاسم مشترك بين الكل ..
يتجرع منه كل واحد كأسا وافيا وفي النهاية تتساوى الكؤوس رغم اختلاف مظاهرها ومناظرها، وتختلف الناس مثلها.. فمنهم من يعلو على شقائه ويتجاوزه ويأخذ منه عبرة وحكمة وتجده دائما يردد: “كله للخير ” وهذه هي النفوس المؤمنة والمستنيرة والتي تحب خالقها في كل أفعاله.. على النقيض هناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله الى حقد أسود وحسد أكال وتلك هي النفوس الضعيفة المظلمة الكافرة المتمردة على خالقها، فكل نفس تمهد طريقها لموقفها النهائي في العالم الآخر، فأهل الرضا إلى نعيم وأهل الحقد إلى جحيم .
المسرح الخادع
الدنيا ماهي إلا امتحان لإبراز المواقف فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها وماتفاضلت الا بمواقفها وليس بالشقاء والنعيم اختلفت ولا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت ولا مايبدو على الوجوه من ضحك وبكاء تنوعت، فذلك هو المسرح الظاهر الخادع وتلك هي لبسة الديكور والثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال حيث يبدو أحدنا ملكا والآخر صعلوكا، أما في باطن الاسرار وعلى مسرح الحق والحقيقة فلا يوجد متخم ولا محروم إنما عدل مطلق يجري على سنن ثابتة حيث يمد الله يد السلوى الحقيقية فيحنو بها على المحروم وينير بها ضمائر العميان ويلاطف أهل المسكنة ويؤنس الأيتام والمتوحدبن في الخلوات ويعوض الصابرين .. ثم يميل بيد القبض فيطمس بصائر السكارى والمترفين ويوهن قلوب المتخمين ويؤرق عيون الظالمين ويرهل أبدان المسرفين وهذه هي الرياح الخفية المنذرة من الجحيم والنسمات التي تأتي من الجنة والمقدمات التي تسبق اليوم الموعود يوم تفتح فيه الأسفار وتكشف فيه الأسرار وتفرق المصائر إلى شقاء حق أو إلى نعيم حق .
أهل الحكمة وأهل الغفلة
فأهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم وأهل الله في راحة لأنهم سلموا أمرهم لله وقبلوا بما يجريه عليهم ورأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يفكروا ويتعبوا عقولهم فجمعوا بين راحة القلب وراحة الفكر وأثمرت لهم راحة ثالثة هي راحة البدن بينما شقي أصحاب العقول بمجادلتهم، أما أهل الغفلة وهم الأكثرية، مازال يقتل بعضهم البعض من أجل اللقمة والدولار والمرأة وفدان الأرض ولا يجنون سوى الهموم وحمل الخطايا وظمأ لا يرتوي وجوع لا يشبع، فانظر أيها القاريء، من اي طائفة من هؤلاء انت ؟؟ قم واغلق بابك وصل وابك على خطيئتك .
رسالتي :
أيها البشر : أفيقوا من غفلتكم، ابعدوا عن الحقد والحسد، تأكد سعادتك أيها الإنسان ليس في غنى أو جاه أو منصب، إنما السعادة الحقيقية تكمن في التقرب إلى الله بالصلاة والصوم والتحلي بالقيم والفضائل ..فكل ما في هذه الدنيا سراب وحياتنا كلها كالبخار يظهر شيئا فشيئا ثم يضمحل .