الفتنة

بقلم.. ماهر اللطيف
يقول الله تعالى في كتابه الكريم “للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن” (النساء 32)، ويقول أيضا في سورة النساء (اية6) ” للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا” وغيرها من الآيات المفصلة للإرث و لأصحابه و المنتفعين به من الجنسين و المدققة فيه تدقيقا مليا ليكون الحق بينا لجميع الورثة وفق الدين واحكامه.
غير أن بعض الناس يتجاهلون النص القرآني و يتغافلون عن محتواه فيستدرجهم الشيطان و يدفع بهم إلى عالم الجشع و الطمع و حب المال و العتاد و الاعتداء على أرزاق الغير وحقوقهم، و يرمي بهم بالتالي في جحيم المعاصي و بحار السيئات الغارقة الممتلئة بدموع المظلومين و دمائهم و حتى أرواحهم بعد أن تضيق صدورهم و تغلق في وجوههم جميع أبواب الصبر و التجلد و التحدي في انتظار عدالة السماء آجلا أم عاجلا.
و من بين هؤلاء – كما أتذكر- قصة عائلة ثرية توفي الوالدان في حادث مرور أثناء عودتهما من المطار بعد إتمامهما لمناسك العمرة و كانا في طريقهما إلى العودة إلى قريتهما البعيدة عن العاصمة، إذ فقد الأب السيطرة على المقود و كانت سيارته الفخمة تسير بسرعة جنونية و انفلق إطار العجلة الأمامي فجأة ، فانقلبت العربة عدة مرات بعد أن استنجد السائق بالمكبح في لحظة خوف و رهبة و محاولة لايقاف السيارة و وضع نهاية لهذا الموقف المرعب و اصطدمت في رتل من سيارات كانت تسير في الناحية المعاكسة.
فحزن الأبناء – محمد 52 سنة، علي 40 سنة و خديجة 36سنة – حزنا شديدا و قرروا أن يبقى الأمر على ما هو عليه من حيث السكن في نفس الشقق الفاخرة بضيعة العائلة الشاسعة بجوار منزل الوالدين، و العمل بتجديد الثقة في الأخ الأكبر و توكيله على كل شيء في الإدارة و التصرف وغيرها، و العيش و التواصل كالعادة كعائلة واحدة متآزرة و متضامنة في كل الأوقات و الحالات رغم عيش كل فرد منهم وسط عائلة مستقلة – قرين و أبناء -…
ومضت السنوات دون مشاكل تذكر، و ثروات العائلة تتضاعف و تتزايد من موسم لآخر دون أن يتم تقسيم الإرث أو توزيعه بين الإخوة تقسيما مكتوبا و محددا – فقد صادف أن فعلوا ذلك مرة شفاهيا و علم كل واحد منهم ما له و ما عليه – بما أنهم كانوا يعيشون رغد الحياة قولا وفعلا.
لكن ، نجح الشيطان في زرع الحقد و الضغينة بين الإخوة أخيرا و فرق بينهم و شتت وحدتهم و اتحادهم بعد أن ضغطت زوجة علي وأجبرت زوجها على التمرد ضد أخيه و طلب الاستقلال عنه بإيعاز من أبنائهما و كذلك زوج خديجة الذي قال لها آخر مرة و هو يشحنها و يشجعها على العصيان و الثورة في وجه أخيها دون رحمة:
- يكفيه استغلالكم والاستفادة من ممتلكاتكم و ثرواتكم و كنز العتاد و الأموال له و لأبنائه و التصدق عليكم بالفتات
- (بلين وحياء) اتق الله يا هذا، إن بعض الظن إثم
- (مقاطعا بشدة) كعادتك تدافعين عنه و تناصرين ظلمه و بطشه و استغلاله و التحايل…
- (مقاطعة) أخي أشرف و انظف من تهمك و رؤاك و مزاعمك الواهية…..
و بعد كثرة الأخذ و الرد و الشحن و خلق التهم و المزاعم و تحول الحياة إلى جحيم لا يطاق، أذعن الأخوان إلى رغبة القرينين و وقفا في وجه أخيهما – و هو في مقام والدهما- و طالباه بتقرير مفصل و مدقق عن كل الأموال و الثروات و الممتلكات من ممات الوالدان إلى اليوم، و اتهماه بالسرقة و التحايل وغيرها من التهم ، ثم اتجها إلى القضاء للفصل في هذا الموضوع.
فأمسي الإخوة أعداء شعارهم في الحياة الخصام و التراشق بالتهم و تلفيق المكائد و المصائب والعراك، وباتوا بالتالي مادة دسمة تتناولها الألسن الخبيثة في هذه القرية و تؤلف القصص و الحكايات في شأنهم حتى بلغ الانشقاق بين الإخوة حده و تتالت الشكايات والدعاوى….
و تشاء الصدف أن يمرض محمد مرضا كبيرا و يتوفى على إثره بعد مدة ولم يعده أحد من عائلته ولم يكلف أخواه نفسيهما حتى القيام بواجب العزاء و تورية أخيهما التراب، بل سارعا في تعجيل تفعيل حكم تقسيم الثروة الذي تحصلا عليه من القضاء مؤخرا بعد وفاة محمد، و منعا أولاده من التصرف في اي شيء حتى يتم إعطاء كل ذي حق حقه وفق القانون …
و كان لهما ذلك، فاستنجدا بالقوة العامة و عدول التنفيذ و قرار الحكم الذي بحوزتهما و شرعا في القيام بالإجراءات القانونية اللازمة عندما تفاجآ بصياح شخص غريب يأمرهم بالكف عن هذه التصرفات فورا و الإنصات إليه ، و قدم نفسه و هو محامي المرحوم محمد الذي أودعه وصية كتابية موثقة و مسجلة لدى السلط المعنية منذ مدة بموجب التوكيل الذي أمضاه أخواه لفائدته منذ سنوات حيث تم على إثره بيع كل العقارات و الشركات وكل الأملاك و الأموال لموكله، الشيء الذي جعل علي يصيح و يقاطع المحامي بصوت مرتفع:
- يعني أنه استولى على كل شيء و حرمنا من حقنا الشرعي؟؟؟ يا له من أناني
- (خديجة مقاطعة وصائحة) لا رحمه الله و لا بارك فيه
- (المحامي معقبا) استغفرا الله العظيم و اذكراه بخير، فلا يجوز الدعاء عليه. لم تتركاني أواصل كلامي (وهما ينصتان إليه بانتباه) و بعد سنوات تضاعفت الثروة ثلاث مرات و كذلك الشركات و العقارات بفضل حنكة و حرفية أبنائه المهندسين الذين أسسوا شركة خاصة بهم من مالهم الخاص بما انهم كانوا يعملون مع عدة رجال أعمال و شركات أخرى. ومنها، باع السيد محمد كل ما يملك بالتساوي إلى أخيه علي واخته خديجة منذ سنتين ولم يترك لنفسه و لو مليما واحدا و كلف المحاسب – محاسب المرحوم – بمتابعة كل الحسابات و التحويلات وغيرها و إنجاز تقارير مفصلة و مدققة عن كل حركة ونشاط. و بالتالي ،بإمكانكما الاتصال بالمحاسب بعد مدكم بالوصية – البيع – ليشرف كل منكما على رزقه وممتلكاته…
و رغم ذلك، فقد رفعا قضية عدلية ضد أبناء أخيهما قصد التدقيق في أموالهم و ممتلكاتهم و معرفة مصدرها بعد أن حرماهم من مساكنهم التي عادت ملكيتها لهما و بذلا قصارى جهدهما للنيل منهم إلى آخر يوم من حياتهما مما اضطرهم إلى الهجرة نهائيا…