إعداد.. رباب أنور
العنف ضد المرأة من يتحمل المسئولية؟
عرفت الأمم المتحدة العنف ضد المرأة على أنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يٌرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة “، وينص أيضاً إعلان الأمم المتحدة بشأن العنف ضد المرأة على أنه مظهر من مظاهر علاقات القوة غير المتكافئة تاريخيًا بين الرجل والمرأة.
يجعل هذا التعريف، العنف ضد المرأة مظلة واسعة تضم تحتها أشكالا مختلفة متنوعة من الممارسات، تتجدد وتستحدث بتطور وسائط التعامل مع المرأة.
وللعنف ضد المرأة تاريخ طويل جدًا، على الرغم من تفاوت حوادث هذا العنف وشدته بمرور الوقت وحتى اليوم.
تاريخ العنف ضد المرأة
كان للعنف ضد المرأة في الجاهلية صورٌ متعددة، وإليكم بعض هذه المظاهر والصور:
عدم الاعتراف بقيمتها حيث كانت تورث كالمتاع مع البيت والأرض وغيره.
الحرمان من الميراث لم يكن للمرأة في الجاهلية الحق في الميراث، لا ترث أبيها أو أحد أقاربها بل كانت هي نفسها متاعًا يورث.
وأد البنات حيث كانت ظاهرة وأد البنات منتشرة في الجاهلية، وهي أن يقوم الأب بدفن ابنته حية في التراب.
العنف اللفظي وهو ما كانت تذكر به المرأة في شعر الغزل الصريح، وما يعني في عصرنا التحرش اللفظي، فقد كان من الشعراء من ينتهك جسد المرأة بشعره واصفًا إياها بشكل بذيء جدا، فقد كان الشعراء يتغنون بمفاتن النساء بشكل يثير الاشمئزاز.
على أن هذا بطبيعة الحال لا ينطبق على كل النساء، فمنهن من كن أحرارًا لا يتجرأ عليهن أيٌ كان، بل وكنّ ذات كلمة مسموعة في محيطهن.
أسباب العنف ضد المرأة
تلعب العوامل الاجتماعية والديموغرافية دورًا هامًا في العنف ضد المرأة، وخاصة ما يسمى بالسلطة الأبوية باعتبارها السبب الرئيسي للعنف ضد المرأة سواء زوجاتهم أو بناتهم، وهو ما يسمى أيضًا بالعنف الأسري، ويمكن تلخيص بعض الأسباب كما يأتي :
انخفاض مستوى التعليم لكل من الطرفين
الوضع الاقتصادي: قد يكون خطر التعرض للعنف مرتفعًا عندما تتمتع المرأة بوضع اقتصادي أعلى من زوجها.
العوامل الأسرية: كالتعرض لتأديب بدني قاسٍ أثناء الطفولة ومشاهدة الأب يضرب الأم ويجبرها على الإجهاض وعمليات التعقيم، فذلك يعد مؤشرًا على الإيذاء وارتكاب العنف ضد الزوجة في مرحلة البلوغ.
تقاليد بعض المجتمعات: مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية إذ يخضع مليونان من النساء في السنة للختان في مختلف أنحاء العالم، ويمكن أن يؤدي ذلك التشويه إلى الوفاة والعقم والصدمات النفسية، كذلك ظاهرة الاتجار بالنساء، وهجمات حامض الكبريتيك بوجه النساء كسلاح رخيص ويمكن الوصول إليه بسهولة لتشويه النساء والفتيات بسبب الخلافات الأسرية.
تقاليد الزواج والارتباط: ويعود ذلك إلى عدم القدرة على تلبية طلبات المهور، ورفض عروض الزواج، والقتل باسم شرف العائلة في العديد من دول العالم.
الزواج المبكر: ويكون ذلك دون موافقة الفتاة، ويعد ذلك شكلاً من أشكال العنف لأنه يقوض صحة واستقلال ملايين الفتيات.
أشكال العنف ضد المرأة:
العنف الجسدي:
هو أكثر أنواع العنف المنتشرة ضد المرأة وغالبًا المتسبب فيه يكون أحد الأفراد المقربين للمرأة فيمكن أن يكون زوجها أو والدها أو أخيها أو أي فرد من العائلة. يكون هذا النوع من العنف متضمنًا أذى جسدي سواء كان عن طريق استخدام القوة بالضرب أو بأي الة و قد يتخذ أشكالاً أخرى منها التحرش الجنسي أو الاغتصاب.
العنف اللفظي والنفسي:
هو العنف الذي يقوم على قول الألفاظ البذيئة أو الشتائم للمرأة التي تقلل من قدرها وتهين كرامتها، وهناك أيضًا التهديد بالكلام وإساءة معاملة المرأة عن طريق التهديد بالهجر أو الطلاق.
العنف الاقتصادي:
هو العنف الذي يحرم المرأة من حقوقها الاقتصادية والاكتفاء يجعلها أحد الأتباع للآخرين، يتضمن هذا العنف حرمان المرأة من التعليم والعمل ومشاركتها في المجتمع ومن التعبير عن رأيها، حيث يجب أن تكتفي ببقائها في منزلها ولا تقترب من سوق العمل
وسائل التواصل الإجتماعي ودورها في ظاهرة العنف ضد المرأة:
تُصَدِر وسائل التواصل الإجتماعي حالياً وهم الكمال و المثالية – من خلال صورة “المرأة المثالية” و التي كانت في السابق حكراً علي ممثلات السينما و عارضات الأزياء اللاتي ينتمين إلى عالم بعيدا عن واقع أغلب نساء الأرض -على أنها الصورة الأكثر تواجداً الآن في مٌختلف الأوساط الإجتماعية – حتى تشكل شعور لدى كثير من النساء أن الصورة “المثالية” التي كانوا يرونها بعيدة هي في الواقع أكثر شيوعا مما يعتقدن وأسهل منالا، و إذ يخلق إحساسا بالنقص وعدم الثقة في النفس لدى نساء من الشابات خاصة، وبينما تقنع بعضهن بهذا “النقص” وتسلم به، تحاول أخريات بلوغ تلك الصورة “الكاملة” بغض النظر عن محدودية الإمكانيات وبغير وعي بمدى زيف ذلك الكمال في جل الأحيان ، ونتيجة لذلك يكون تأثير هذا الشعور على النساء مرهقا لهن في كل الحالات ويتحول عنفا نفسيا وجسديا في بعضها.
النتائج المترتبة على العنف نحو المرأة :
الآثار الصحية:
تكون في شكل كدمات وجروح و يُمكن أن يؤدي الإفراط في العنف إلى الوفاة.
الآثار النفسية:
العنف ضد المرأة يؤدي إلى العديد من المشاكل النفسية مثل الاكتئاب المزمن والاضطرابات النفسية التي يمكن أن تكون السبب في الانتحار، وقد يصل الأمر حد تعاطي و إدمان المخدرات.
الآثار الاجتماعية:
العنف ضد المرأة يؤدي إلى تغيير سلوكها وتصرفاتها تجاه الاَخرين النابع من آثار العنف الذي لحق بها و الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار النفسي و بالتالي تؤثر بالسلب على مجتمعها الصغير وهو الأسرة والأطفال وأيضًا المجتمع.
المشاكل الاقتصادية:
العنف ضد المرأة يجعلها تنعزل عن المجتمع وتقلل من مشاركتها فيه ومن دورها الفعال في النهضة والتطوير.
جهود الدولة لحماية الأنثى من العنف ضد المرأة :
وضعت مصر قضية العنف ضد النساء كأحد أولويات رؤية مصر 2030، بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أعاد للمرأة جزء كبير من حقوقها التي انتقصتها ظروف المجتمع، ودعمًا لقضية العنف ضد المرأة أنشأت مصر وحدة مجمعة لحماية المرأة من العنف، بقرار مجلس الوزراء رقم 827 لسنة 2021 والتي تتبع مجلس الوزراء.
و أخيراً وليس آخراً كرَّم الاسلام المرأة، وراعى خصائصها والفرق بينها وبين الرجل، فشرَّع القوانين التي تجعلها مكرمة في موقعها والرجل مكرما في موقعه، وجعل بينهما مودة ورحمة واحتراما متبادلا يؤدي إلى تقاسم المسؤولية بينهما طوال استمرار العلاقة التي تربطهما في نطاق الشرع الحكيم، وأمر الله سبحانه وتعالى الرجال أن يعاشروا نساءهم بالمعروف فقال: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا»، وهو ما يشمل حسن التعامل والمعاشرة في القول والفعل. وحرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المرأة وصيانة عَوانٌ، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك»، وقال كذلك: «رفقًا … بالقوارير»، بل كانت المرأة حاضرة في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأخيرة قبيل انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث قال: «أيها النَّاس، اتَّقوا الله في النِّساء، اتقوا الله في النِّساء، أوصيكم بالنساء خيرًا»، ومن ثم فالرجوع لمبادئ الدين الحنيف هو الضامن الأول لمواجهة هذه الظاهرة.