كتاب ومقالات
أخر الأخبار

العقل يخبرنا بعظمة الخالق

وقت النشر : 2024/12/13 08:13:06 AM

بقلم د. صالح وهبة

 

 

العقل قوة خارقة غير ملموسة منحها الله للإنسان وميزه بها عن بقية المخلوقات .
العقل هو المعجزة الإلهية التي حيرت كل العلماء . العقل هو المسؤول عن كل العمليات الذهنية التي يقوم بها الإنسان من تحليلات واستنتاجات وابداعات واكتشافات واختراعات والتمييز بين الصواب والخطأ..
العقل هو مولد للفكر الذي ينتج عنه كل السلوكيات والتصرفات ..

ولكن أين يوجد العقل ؟

حقيقة لا آحد يعرف أين يوجد العقل وقد اختلفت آراء العلماء في ذلك فمنهم من يزعم أنه يوجد في القلب والبعض يزعم أنه يوجد بالمخ وآخرون يعتقدون بأنه يوجد في كل أجزاء الجسم ، وهذه كلها اجتهادات ليست لها أدلة قاطعة..

وقبل أن نبدأ في العقل دعنا نتعرف على “الدماغ ” ذلك العضو الذي يوجد داخل الجمجمة وينمو من الخلف إلى الأمام وينقسم إلى (١)..دماغ غرائزي (٢)..دماغ عاطفي (٣)..دماغ عقلي ..
طبعًا أقدمهم الدماغ الغرائزي وأحدثهم الدماغ العقلي ..ولا يغيب عنا أن ٩٠٪؜ من الدماغ ينمو في الخمس أو الست سنوات الأولي من عمر الإنسان وهو الدماغ الخاص بالغرائز والدماغ بالعاطفة . ويكتمل نمو العقل في عند سن ٢٥ تقريبا حيث يكون اكتمل نمو الدماغ العقلي (front brain) والذي يحتل ما يقرب من ١٠٪؜ من المخ وهو المسؤول عن التخطيط والتنظيم وضبط النفس ..لذلك الأطفال والمراهقين عندهم هذه المنطقة(الدماغ العقلي)لا تكون قد اكتملت في النمو، فنجدهم يستخدمون الدماغ الغرائزي والعاطفي في التعامل مع الأمور (عواطفهم هي التي تقودهم ) …

دعنا نتعرف على “العلاقة بين العقل والدماغ ”
الدماغ هو أشبه بآلة استقبال “reciever” يستقبل الأفكار التي تأتي إلىه من العقل
وهذه الأفكار أشبه بموجات تشبه موجات لاسلكية مثل “radio waves “ أو ذبذبات، هذه الموجات والذبذبات التي تصل للدماغ تحدث كهرباء تسري في الوصلات العصبية الموجودة بالدماغ التي تسمي الأفكار التي توثر على الدماغ ويتأثر بها .
هذه الأفكار تأتي من العقل الذي يولد هذه الأفكار لذلك نطلق على الفكرة بأنها “بنت العقل ” .
هذه الأفكار تتحول إلى مشاعر وعواطف والمشاعر تتحول إلى كلمات والكلمات تتحول إلى أفعال والأفعال تتحول إلى عادات والعادات إلى طباع التي تحدد شخصية الانسان ..
لكن !
السؤال الذي يفرض نفسه هو
مالفرق بين العقل الواعي والعقل اللاواعي ؟

العقل الواعي مسؤول عن التخطيط والتنظيم فمثلًا وأنا أكتب هذا المقال أستخدم العقل الواعي ..أثناء شرح معلومة معينة للطلاب أستخدم العقل الواعي، الطلاب وهم يسمعون ويركزون فيما أقوله يستخدمون العقل الواعي ..
(٢) العقل الواعي لا يستطيع استقبال أكثر من سبع معلومات بزيادة أو نقصان ٢ في لحظة ما .. أما العقل اللاواعي بإمكانه يستقبل ويخزن حوالي ٢بليون معلومة في الثانية الواحدة ..

العقل الواعي يفكر بالمنطق ولا يستطيع التعامل إلا مع معلومة واحدة في الوقت الحالي
فمثلًا أثناء تعلم قيادة السيارة، يستخدم المتعلم عقله الواعي في التركيز على تعلم القيادة فقط ، بدليل، في أثناء تعلمه وهو يقود السيارة لا يستطيع التحدث مع أحد بجانبه، ولكن عندما يتقن القيادة يتمكن من الحديث مع أي شخص وهو سائق لأنه اكتسب مهارة القيادة فمن الممكن استخدام عقله اللاواعي في هذه الأثناء..

مثال آخر

المحاضر الذي يلقي على طلابه محاضرة عن “لغة الجسد” لا يستطيع التحدث في نفس الوقت على موضوع ” الاكتئاب ” لأن عقله الواعي لا يستطيع التركيز إلا في معلومة واحدة في هذا الوقت الحالي (وقت المحاضرة ) ..

العقل اللاواعي مخزن للمفاهيم والمعتقدات والعادات والتقاليد وذكريات الماضي والذكريات الطويلة المدى لكن العقل الواعي هو العقل المتكلم ..المفكر ..الناطق والذي يعطي أوامر للعقل اللاواعي فالعقل الواعي آمر والعقل اللاواعي منفذ له تلقائيًا لأنه عقل تلقائي..وهذا العقل الواعي هو الذي ميزنا به الله عن الحيوانات التي تسير بالفطرة بواسطة العقل اللاواعي الذي نخزن به كل عمليات التخطيط والبرمجة ..

العقل اللاواعي يستقبل كل شيء يراه الإنسان وكل المواقف والخيرات والذكريات التى مر بها خلال مسيرة حياته ويخزنها..

“تحذير شديد اللهجة لكل الآباء والأمهات بخصوص تربية الأطفال “

يجب أن تتيقظوا للآتي:

(١) ..الطفل وخاصة في عمر تقريبا من “أربع إلى ست سنوات ” يستخدم عقله اللاواعي لأن عقله الواعي لا يكون قد نما، وبالتالي كل شي تزرعونه في أدمغة أطفالكم سواء بالقول او بالفعل أو بالصور، ينحت ويلزق ويمتص داخل العقل اللاوعي (من أذى نفسي أو بدني أو تنمر أو إهانات …)
ويلازم الطفل كذكريات أليمة لا تمحى مدى الحياة وتكون جزءا أساسيًا في تكوين شخصيته ويكون الطفل منطويا على نفسه ويميل للعزلة وقد يكون عرضة للإصابة بالاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى..
(٢) العقل اللاواعي يصدق كل شيء فإذا مدحت ابنك وشجعته بكلمات ترفع من مناعته النفسية والجسدية مثل (أنت قوي ..أنت عبقري ..أنت تقدر ..أنت موهوب ..أنت ..أنت ..)
العقل اللاواعي عند الطفل يصدق ذلك ويتهيأ نفسيا لكي يكون منفذا لهذه الكلمات المشجعة ويفعل كل ما في وسعه لتنفيذها مهما كلفه ذلك من جهد، فهو يريد إثبات ذاته أمام نفسه وأمام والديه..
حتى هذا الكلام المشجع ممكن يستخدمه الإنسان مع نفسه فيقول لنفسه (أنا قوي ..أنا اقدر ..لا يوجد مستحيل ..أنا ذكي ..)كل هذا يصدقه العقل اللاواعي ويتم شحن الجسم بطاقة إيجابية، وتقوي من مناعته النفسية والجسدية وترفع من معنوياته ويسعى لتحقيق ذاته ..
فاحذروا أيها الآباء وأيتها الأمهات من كلمات الإحباط لأطفالكم التي تدمر شخصيتهم بل امطروهم بكلمات التحفيز والتشجيع لرفع معنوياتهم ..

والجدير بالذكر .. الأطفال بعد أن يكبروا ، في سن من ٨ إلى ٩ إلى ١٠سنوات تقريبا في هذه الفترة يبدأ يتطور فيهم العقل الواعي، فيبدأ الطفل يسأل أسئلة غريبة مثل : (ليه أغسل أسناني ؟ ..ليه أذاكر ؟ .. ليه أصلي ..ليه ؟ ..ليه ؟ ..ليه ؟)…حاولوا تجاوبون على أسئلتهم على حسب ما يناسب أعمارهم ..

العقل الواعي لا يعمل عندما ينام الإنسان لكن العقل اللاواعي يعمل ليل نهار ..
العمل الواعي لا يعمل عند تعاطي المخدرات ويشتغل الإنسان في هذه الحالة بعقله اللاواعي فيبدأ يصرح ويتحدث عن أشياء لا يستطيع التصريح بها بعقله الواعي مثل الذكريات الأليمة والأذى النفسي كالتحرش الجنسي أو أشياء تخدش الحياء وما شابه ذلك عند التعاطي،
لأنه يتصرف بالفطرة تبعا لشهواته وعواطفه التي تخرج من العقل اللاواعي في فترة غياب العقل الواعي ويكون مثل الحيوانات التي تقودها غريزتها وتتحرك بالفطرة ..

العقل الواعي هو العقل الذي تذاكر به، وللأسف الشديد ممكن تذاكر .. تذاكر ..وتحفظ وبمجرد ما تتوتر ، تدخل الامتحان تحس إنك نسيت كل حاجة ..لماذا؟
لأنك جعلت العقل اللاواعي يشتغل، جعلت العقل العاطفي يشتعل وهذا العقل ليس به معلومات، أنت دخلت الامتحان بالعقل الغلط .
“نداء لكل طالب داخل الامتحان”..
احذر الخوف والقلق والتوتر ..
أي طالب داخل الامتحان متوتر بالرغم أنه سهران طول الليل يذاكر جيدا” لكن هذا التوتر يشعل العقل العاطفي فيرى أسئلة مرت عليه لكنه ناسي إجابتها في هذه اللحظات، فيتعصب أكثر ويخاف بزيادة وبعد خروجه من الامتحان يفتكرها وتكون النتيجة أنه يرسب في الامتحان ..
لازم نتعلم أن ندخل بالعقل الصح ..
وأنت داخل الامتحان ركز على تنفسك، لأن المخ يتغذى عل الأكسجين، فتاخذ نفس عميق وتخرجه واحدة واحدة، وتقول الحمدلله وتكتب اسمك على الورقة وتختار أولآ أسئلة سهلة، ستجد المعلومات تتدفق على الورقة مثل النهر ..وتتذكر كل حاجة لأن بهذا الهدوء أعطيت فرصة لعقلك التحليلي يشتغل ..

العقل الواعي مسؤول أيضا عن كل العمليات الحيوية بالجسم فهو الذي يشغل القلب وكل أجهزة الجسم تلقائيا ولا يعي شيئًا . فهو ينفذ كل شيء يطلبه منه العقل الواعي .. العقل اللاواعي عبارة عن مخزن للمعلومات كما ذكرنا، ويتم استدعائها بالعقل الواعي وقت ما نحتاجها، لكن لو تم تخزينها بعمق ونحتاج نطلبها، يصعب استدعائها، لأنها ستقاوم العقل الواعي، فتضطر لإنقاص الوزن لتنشيط العقل الواعي وتمتنع عن التدخين وعن العصبية والتوتر وتمارس الرياضة وتأكل أكل صحي بعيدا عن الزيوت المهدرجة والدهون غير الصحية ..

والجدير بالذكر ..هناك أشياء مخزنة في العقل اللاواعي منذ زمن بعيد يصعب على العقل الواعي استرجاعها وخاصة في فترات الرضاعة وبداية النطق عند الأطفال، فمثلا لا نستطع تذكر أول كلمة نطقناها ونحن أطفال صغار أو ماهو شعورنا بعد الفطام مباشرة ..

اذن لابد أن ننمي عقلنا الواعي حتى ينشط ويستطيع برمجة العقل اللاواعي من خلال الرياضة والتغذية الصحية والقراءة والاطلاع لأن من سبقونا بخبراتهم وربونا وبرمجوه في عقلنا اللاواعي، لم يكن لديهم غير ما كانوا يعرفونه في أيامهم.. لكن أنت في إمكانك تطور من ملفات عقلك اللاواعي بالمعلومات التي تكتسبها من العالم الخارجي لكي تخزنها بعقلك اللاواعي من خلال عقلك الواعي وبالتالي تبرمج نفسك ..فكلما تتخيل حاجة ستجد لها علما، فتقرأ الأبحاث الخاصة بها وتطور من ذاتك ..لأن العالم في حالة تطور مستمر، ” ومعجزات الأمس أصبحت تكنولوجيا اليوم ” ..

“العقل الواعي هو الذي يبرمج العقل اللاواعي ..كيف ؟”

“التوضيح”

نحن نستخدم العقل الواعي الذي يمثل ١٠٪؜ من العقل في برمجة ال ٩٠٪؜ الباقية من العقل وهي “العقل اللاواعي” والتي تتمثل في المهارات والخبرات والمواقف وكل ما يراه الإنسان من صور وأمور أخرى كثيرة يمر بها في حياته.
وتحدث البرمجة كالتالي:
بالتخيل والتأكيدات والتحليلات وأمور أخرى، التي تصدر من العقل الواعي، تكرارها مرات ومرات ومرات ..) تجعل العقل اللاواعي يصدق وينفذ ويعاد برمجته على هذا الوضع وبهذا تحدث تغييرات بالعقل اللاواعي فيتعلم الإنسان مهارات جديدة ويغير من شخصيته ويتخلص من الآلام الماضية والشفاء من الإساءة ويتخلص من أنماط تفكير معينة، ويبدأ يسامح الناس ..
كل هذه البرمجة صارت بالعقل اللاواعي نتيجة برمجة العقل الواعي .
وللتبسيط …لوحة المفاتيح keyboard تمثل العقل الواعي والسوفت وير software يمثل العقل اللاوعي والشاشة screen هي النتائج التي نراها في حياتنا..
فنحن عندما نطبع، نعمل إعادة برمجة (ندخل معلومات بالكمبيوتر ) ، نفس الشيء بالتفكير والتحليل والكتابة ووضع الأهداف وتكرارها مرات ومرات ومرات …..نعمل على إعادة برمجة العقل اللاواعي..

وفي هذا الصدد، علماء النفس يقولون : لو مريض أخذ حبة ملبس وكان على اقتناع أن هذه الحبة ستشفيه، العقل اللاواعي يصدق ذلك وينشط الجسم ويشتغل على ذلك،
وأيضا عندما أقول لنفسي : أنا مبدع ..أنا مفكر، العقل اللاواعي يصدق ذلك ويحاول يجتهد ليحقق هذا ..
والعكس …
عندما يتأخر الأولاد عن وصولهم للمنزل تبدأ الأفكار تشتعل عند الأم وتتخيل أن الأوتوبيس عمل حادث وتقلق وتفكر تفكيرات سيئة والعقل اللاواعي يصدق ذلك وتنزل الدموع كنهر على خديها وتزداد ضربات القلب وتشعر بصداع وألم في المعدة والقولون ..كل هذا من التخيل والعقل اللاواعي صدق ذلك ..

الخلاصة

الإنسان يمتلك عقل واعي (مفكر ..ناطق ) وعقل لاواعي (غرائز وعاطفة) …
العقل الواعي يخزن كل ما يحدث له في الحياة من تجارب ومواقف وأحداث وغيرها تمر به سواء كانت إيجابية أو سلبية، تظهر نتايجها على مسيرة حياته حسب نوع التخزين إن كان محبب أو مكروه ..

“أمثلة توضيحية” …
الأب طلق زوجته وتعرض الأبناء للقسوة والإهانة جراء ذلك، وخاصة البنت التي كانت تحكي لأمها تفاصيل دقيقة وكانت أقرب إليها من حبل الوريد لم تجدها بجانبها، فماذا تكون النتيجة ؟!
البنت تكره الزواج وتفتكر ما حدث بين أبيها وأمها من خلافات ومشادات (التي تم تخزينها في العقل اللاواعي ) فلا ترغب أن تتكرر هذه التجربة معها ولا تفكر في الارتباط ويحدث لها عقدة من الزواج ..
والحل يكمن في تفريغ هذه الأفكار السلبية العالقة بالعقل اللاواعي من الخوف من الزواج وخلافة ببرمجة هذا العقل بواسطة العقل الواعي من خلال جلسات مشورة متكررة من المتخصصين في هذا الأمر لإدخال معلومات إيجابية عن الزواج في عقلها اللاواعي لاعادة برمجته ومع تكرار هذه الجلسات تستطيع أن تغير هذه الفكرة وتعيش حياتها …

أو (ولد تعرض وهو صغير لتحرش جنسي، فكل ما حدث له تم تخزينه بالعقل اللاواعي وتكون النتيجة الشعور بالقلة وينطوي على نفسه وينعزل عن الناس ..
والحل في أن نبرمج عقله اللاواعي بإدخال معلومات جديدة بعقله اللاواعي (لإعادة ثقته بنفسه ) حتى يمارس حياته بطريقة صحية ….

والطفل الذي تتركه أمه وهو نائم في حجرة مظلمة وتقفل عليه فترة من الزمن وعندما تعود اليه وفي أثناء فتحها للباب تسمع صراخه وبعدها تجده منهار ومنهك من كثرة البكاء والفزع والخوف ..
ما حدث لهذا الطفل يتخزن في عقله اللاواعي ويوثر على حياته فتجده يخاف من الظلام والأماكن المغلقة ..
والحل في اعادة برمجة عقل الطفل اللاواعي، فنزع من عقله اللاواعي كل ما لصق به الخوف والقلق ونستبدلها بالاطمئنان والأمان ..

وفي النهاية

يجب أن نعي جيداً إن حياتنا وما يحدث بها من أحكام مسبقة وتجارب ومخاوف ومواقف أليمة وصراعات هي نتيجة تراكمات بالعقل اللاواعي .

كل هذه التراكمات مطلوبة إزالتها من العقل اللاواعي بادخال طاقة إيجابية بالإرشادات والنصائح تجلب لنا السعادة وتحول شخصيتنا إلى شخصية سوية وهذا مانسميه (برمجة العقل اللاواعي من خلال العقل الواعي)..
وهذه البرمجة تستطيع تغيير أسلوب الحياة إلى الأفضل ..
دمتم في أمان واطمئنان..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى