بقلم د صالح وهبة
لم أجد في جمال البلاغة ما أرتقي به من حروف وكلمات لوصفها ..أو في الاقتراب منها بعض الشيء لمعرفة القليل بما تحمله من أسرار فالتحفت بالصمت، ولما كان فضولي في التعرف عليها أقوى من صمتي تحول الصمت إلى كلمات احتبست في لساني ولم تجد لها منفذ إلا قلمي، فسالت على نهر قلمي لتسطر كلمات مضيئة على صفحة ناصعة البياض، فتحكي عنها في إيجاز عن هذا الإعجاز ، لتحكي عن “سر الحياة ” عن الزمرد المذاب عن الذي عجز عن وصفها الحكماء وأولو الألباب ، عن الذي غنى لها عبد الوهاب “ يا سلام ع الميه”.
ومن هذا المنطلق كان لي معها هذا الحوار :
في البداية أتعرف على اسمك وسنك و عنوانك ؟
العرب يسموني ماء وبالإنجليزية water وبالفرنسية L’eau وباللاتينية aqua بالإيطالي acqua وبالألماني Wasser وفي اليابان mizu وفي أسبانيا agua .
عمري حوالي ثلاثة آلاف مليون سنة .
أتواجد في البحار والمحيطات والأنهار وباطن الأرض وفي السحاب وأمثل تقريبا ٧٠٪ من تكوين جسم الإنسان وأكون في الكائنات الحية من نبات وحيوان وأتواجد بصور مختلفة في الطبيعة على هيئة صور ثلاث صلب وسائل وبخار .
يقولون عنك علماء الكيمياء “ليس لك لون ولا طعم ولا رائحة ما قولك ؟
طبعا كلام عاري من الصحة .. إزاي ليس لي طعم ؟ !
تعجز قواميس اللغة في وصف طعمي في فم العطشان الذي أصبح على قاب قوسين أو أدني من الموت من شدة الظمأ (في هذه اللحظات لا شيء من كنوز الدنيا كلها تساوي قطرة واحدة مني )
تلك اللحظات آلتي أتدفق فيها إلى خلايا الجسم وهي منتظراني في لهفة وعلى أحر من الجمر لتنهل متي كل خلية على حدة وهي تتراقص وتترنح وتتمايل من فرط السعادة والنشوة لتعزف أحلى الألحان على سيمفونية حياتها التي كادت تفقدها بعد أن فاقت من غيبوبة “الموت من الظمأ ” التي عاشتها قبل وصولي اليها .
تم ذكرك في القرآن ٦٣ مرة وفي الإنجيل عدة مرات والسؤال : مالذي يميزك عن بقية السوائل وبعض المواد الاخرى ؟
كل السوائل تخضع للجاذبية إلا أنا أثور ضد الجاذبية وأرتفع لأعلى بالخاصية الشعرية في جذوع الشجر والنخيل والنبات مهما كان طولها فلولاي ما ارتفع ساق خضراء فوق الأرض .
كل السوائل تنكمش بالبرودة وتزيد في الوزن لكن أنا اتجمد بالبرودة وأخف في الوزن لأكون جليد فوق السطح لتوفير مناخ ملائم للأحياء البحرية آلتي أسفل الجليد وأعمل على تدفئتها لكي تعيش في الشتاء .
ولولاي لماتت كل الأحياء البحرية في الشتاء .
أنا أتجمد عند الصفر وأغلي عند المائة وهذا ما يجعلني أكون في مكان واحد بصوري الثلاث بخار وسائل وصلب وهذا ضروري لتقوم الحياة على الأرض .
أتميز أيضا بقدرتي على إذابة الأشياء والتفاعل معها ، آكل الحديد وأنحت في الصخر .
لي القدرة على الاحتفاظ بالحرارة فمثلا قضيب ساخن من الحديد يبرد في ثوان بينما أنا أظل ساخنة في البانيو ساعات إلى أن أعود للبرودة .
سمعنا في دروس الكيمياء أنك تتمتعين بخصائص مميزة مثل الخاصية الشعرية وخاصية التوتر السطحي .. يا ريت تحدثينا عنهما ؟
كل جزيء مني يتكون من ذرتين هيدروجين كطرف موجب وذرة اكسجين كطرف سالب مرتبطين ببعض عاشق ومعشوق مثل المغناطيس ، والجزئيات تكون ما يشبه بمغناطيسات تتجاذب بشدة وتتماسك وهذا ما يسمى بالتماسك السطحي أو “التوتر السطحي ،
وتكهرب الجزيئات هو الذي يفسر الخاصية الشعرية التي اتسلق بها إلى أعلى في النباتات والأشجار وتساعدني أيضا على إذابة الأشياء.
نسمع عن الغلاية اليومية او المحيطات وأن هناك علاقة بينك وبينها وبين الشمس ..هل من توضيح ؟
الشمس تسخن المحيطات ، تحولني إلى بخار يصعد إلى الأجواء العليا الباردة فيتكاثف سحبا ويهطل أمطارا وتسيل أنهارا لتصب في المحيطات من جديد في دورة يومية دائبة ،
وما تبخر من المحيطات يعود إليها في كم كلي ثابت لا يزيد ولا ينقص .
، والغريب أن كم الطاقة الحرارية الشمسية في هذه الدورة في اليوم الواحد أكثر ما أنتجه الإنسان من طاقة في تاريخه كله .
فلا تستغرب إذا قلت لك ربما أنا ” كماء” الذي صنع منه كوب ليموناده هو نفسه أنا الماء الذي استحمت منه كليوباترا هو نفسه الماء الذي تمضمض به خوفو منذ آلاف السنين .
هذا ما نراه بالعين المجردة في وصفك .. دعنا ننتقل إلى وصفك من خلال الميكروسكوب إذا سمحتي ؟
قطرة واحدة مني لو وضعت تحت المجهر لرأيت احتشاد من آلاف من صنوف الأحياء وبلايين عديدة من فيروسات وبكتيريا وطحالب وفطريات ، شعوب وقبائل وأمم من كائنات يأكل بعضها البعض تتعايش وتتعامل وتتنافس وتتقاتل وتتسابق وكل ذلك الأمم في نقطة من مستنقع على كوكب هو أصلًا هباءة في الكون الواسع .
يطلقون عليك لقب “سر الحياة” وتارة أخري” أرخص موجود وأغلى مفقود” .. ما مدى صحة هذا ؟
سر الحياة لأني لي القدرة على طرد السموم من جسم الإنسان وبالتالي أحميه من الأمراض التي تصيب الكلى والكبد والقلب .
أما أرخص موجود وأغلى مفقود كما ذكرت سابقًا أن قطرة مني تتسلل الي خلايا الجسم لشخص يموت من شدة العطش لا تعادل كل كنوز الدنيا .
أنا اللى غنى لى عبد الوهاب ” الميه تروي العطشان وتطفي نار الحيران .. يا سلام ع الميه. .. ياجمالها والحوض مليان وأنا عايم على وش الميه .
لولاي لالتهمت الحرائق الأخضر واليابس
لولاي لالتحفت الأوساخ والقاذورات بالأماكن والأشياء .
حقيقة أنت نعمة من عند الله، لكن ألم يزعجك شخص وهو يصرخ من عذاب الغرق ويستنجد لكي ينقذه احد ؟
من الطبيعي أن الشخص لا يغرق إذا سقط في بحري ولكن إذا مكث تحت مدة أقصاها من خمس إلى ١٠ دقائق ولم يجد أحد ينقذه في غضون هذه اللحظة الحرجة والقاتلة،
هنا أنا أعمل له انسداد للمسالك الهوائية عند تدفقي فيها لبضع دقائق فأمنع مرور الهواء وتنفس الأكسجين وبالتالي يتراكم ثاني اكسيد الكربون فيحدث الوفاة .
فالإنسان استهتاره أو جهله بفن السباحة والعوم هو. الذي يوصله إلى الغرق .
فكثيرا ما نجد سيدة وخاصة في الريف ، تذهب إلى البحر المجاور لمنزلها لغسل الأطباق والحلل وتصطحب معها ابنها الصغير وتنهمك في الغسيل وفجاة تلتفت إلى جوارها فتجد ابنها في الماء غارقا فممكن ترمي نفسها لتنقذه تغرق هي معه .
أحيانا الشخص يغرق بإرادته مثل الشخص الذي يرمي نفسه من أعلى المنزل أو من على الكوبري في النيل مثلا ..
ماذا نفعل له ؟!!
أودى بنفسه إلى التهلكة دنيا وآخرة ؟
ما ذنبنا؟!
فعلا عندك حق ..
انتهى الحوار الجميل .. ليتنا نتعلم ونتعظ ونتامل في قدرة الخالق .. قال تعالى “وأخرجنا من الماء كل شيء حي “
وفي الإنجيل .. ٠مجاري المياه تفرح مدينة الله (مز ٤٥ :٤)